وكذلك «البلعوم» أعني أنه ليس بصفة مشتقّة من «البلع» ، بل هو اسم ـ كما ذكرنا ـ لمجرى الطعام في الحلق. فلعله اسم له ، لا من حيث لحظ فيه معنى «البلع» ؛ ألا ترى أنّ البياض الذي في طرف فم الحمار يسمّى «بلعوما» ، وإن لم يكن رجوعه إلى معنى «البلع». فكذلك ينبغي ألّا يجعل بالنظر إلى مجرى الطعام في الحلق.
وأمّا «الصّلقم» فيمكن أن يكون غير مشتقّ من «الصّلق» ، لأنهم يقولون «جمل صلقم» أي : ضخم. فلعلّ الشّديد الصياح قيل له «صلقم» ، لضخامة صوته ، لا لأجل الصراخ نفسه. إذ قد وقع هذا اللفظ على ما ليس براجع لمعنى «الصّلق» ، وهو الضخم من الإبل.
وأمّا «السّرطم» فإنه يحتمل ـ وإن كان واقعا على الواسع الحلق ، السريع الابتلاع ـ ألّا يكون مشتقا من «السّرط» بمعنى البلع ، لأنهم قد يوقعون «السّرطم» على القول اللّين ، فيكون الرجل الواسع الحلق وصف بـ «سرطم» ، لسهولة الابتلاع في حلقه ولينه عليه ، لا لنفس «السّرط» الذي هو الابتلاع ، كما أنّ «السّرطم» إذا عني به القول اللّيّن ليس براجع لمعنى «السّرط».
فإذا أمكن في هذه الألفاظ حملها على ما ذكرت لك كان أولى من جعل الميم زائدة غير أوّل ، لقلّة ما جاء من ذلك.
وزعم أبو الحسن ، وأبو عثمان المازنيّ ، أنّ «دلامصا» (١) من ذوات الأربعة ، وأنّ معناه كمعنى «دليص» (٢) ، وليس بمشتقّ منه ، فجعلاه من باب «سبط وسبطر». والذي حملهما على أن يقولا ذلك في «دلامص» ، ولم يقولاه في «زرقم» و «ستهم» وأشباههما ، قلّة مجيء الميم زائدة حشوا ، بل إذا جاءت زائدة غير أوّل فإنما تزاد طرفا. وكذلك ينبغي أن يكون «قمارص» (٣) عندهما.
وبالجملة ليس «دلامص» مع «دليص» كـ «سبطر» مع «سبط» ، لأنّ الذي قاد إلى ادّعاء أنّ «سبطا» و «سبطرا» أصلان مختلفان أنّ الراء لا تحفظ زائدة في موضع. وأمّا الميم فقد جاءت زائدة ، طرفا غير أول ، فيما ذكرنا ، وحشوا في «تمسكن» وأخواته ، وأوّلا فيما لا يحصى كثرة. فإذا دلّ اشتقاق على زيادتها فينبغي أن تجعل زائدة ، إذ باب «سبط وسبطر» قليل جدّا ، لا ينبغي أن يرتكب ، إلّا إذا دعت إلى ذلك ضرورة.
__________________
(١) الدلامص : البرّاق : لسان العرب ، مادة (دلمص) و (دملص).
(٢) الدليص : الدرع البراق اللينة ، لسان العرب ، مادة (دلص).
(٣) القمارص : القارص ، لسان العرب ، مادة (قرص).