المضمر أتيت بالباء فقلت «به» و «بك» ، لأنّ المضمرات تردّ الأشياء إلى أصولها ـ ثم أبدلت الواو من الباء ، ثم أبدلت التاء من الواو.
فإن قال قائل : ولعلها أبدلت من الباء؟.
فالجواب : أنّ إبدال التاء من الواو قد ثبت ، ولم يثبت إبدالها من الباء ، فكان الحمل على ماله نظير أولى وأيضا فإنّ العرب لمّا لم تجرّ بها إلّا اسم الله تعالى دلّ ذلك على أنها بدل من بدل ، لأنّ العرب تخصّ البدل من البدل بشيء بعينه ، وقد تقدّم تبيين ذلك.
وكذلك «التّليد» و «التّلاد» من «ولد». و «تترى» : «فعلى» من «المواترة» وأصلها «وترى». و «أخت» لأنه من «الأخوّة». و «بنت» لأنه من «البنوّة». و «هنت» لقولهم في الجمع «هنوات». و «كلتا» لأنه لا يتصوّر أن تكون أصلا لحذفها في «كلا» ، ولا زائدة للتأنيث لسكون ما قبلها ، وهو حرف صحيح ، ولكونها حشوا ، ولا زائدة لغير تأنيث ، لأنّ التاء لا تزاد حشوا. فلم يبق إلّا أن تكون ممّا انقلبت عنه ألف «كلا» ، وهو الواو ، لأنّ الألف إذا جهل أصلها حملت على الواو ، لأنه الأكثر. وأيضا فإنّ إبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء.
وأبدلت ، باطّراد ، من الواو في «افتعل» وما تصرّف منه ، إذا كانت فاؤه واوا ، نحو «اتعّد» و «اتّزن» و «اتّلج» ، فهو «متّعد» و «متّزن» و «متّلج» ، و «يتّعد» و «يتّزن» و «يتّلج» ، و «اتّعاد» و «اتّزان» و «اتّلاج». قال :
فإن تتّعدني أتّعدك مواعدا |
|
وسوف أزيد الباقيات القوارصا (١) |
وقال طرفة :
فإنّ القوافي يتّلجن موالجا |
|
تضايق عنها أن تولّجها الإبر (٢) |
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٠١ ، وخزانة الأدب للبغدادي ١ / ١٨٤ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٤٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٩٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٣٩٦.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٤٧ ، والخصائص لابن جني ١ / ١٤ ، وسر صناعة الإعراب ص ١٤٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٩٠.