العين لأجل حرف الحلق ، ولو لا ذلك لم يجىء مضارع «فعل» على «يفعل» بفتح العين. فلمّا كان الفتح عارضا لم يعتدّ به ، وحذفت الواو رعيا للأصل.
فإن قيل : لو كان وقوع الواو بين ياء وكسرة يوجب حذف الواو لوجب حذفها في «يوعد» مضارع «أوعد»؟.
فالجواب : أنّ الأصل في «يوعد» : «يؤوعد». فالواو إنما وقعت في التقدير بين همزة وكسرة ، فثبتت لذلك ، ولم يلتفت إلى ما اللفظ الآن عليه ، كما لم يلتفت إلى اللفظ في «يضع».
فإن قيل : فلأيّ شيء التزموا في مضارع «فعل» الذي فاؤه واو «يفعل» بكسر العين ، وقد كان نظيره من الصحيح يجوز فيه «يفعل» و «يفعل» ، بضمّ العين وكسرها؟.
فالجواب : أنهم التزموا «يفعل» لأنه يؤدّي إلى حذف الواو ، فيخفّ اللفظ.
فإن قيل : لو ضمّوا العين في «يفعل» ، فقالوا «يوعد» ، لوجب حذف الواو لوقوعها بين ياء وضمّة ، وهما ثقيلان ؛ ألا ترى أنهم لمّا شذّوا من ذلك في حرف واحد ، فجاؤوا به على «يفعل» ، حذفوا الواو ، فقالوا «وجد يجد» ، قال الشاعر :
لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة |
|
تدع الصّوادي لا يجدن غليلا (١) |
فالجواب : أنّ وقوع الواو بين ياء وضمّة لا يوجب الحذف ، بدليل قولهم في مضارع «وطوؤ» و «وضوؤ» : «يوطؤ» و «يوضؤ» ، فلا يحذفون. فأما حذفهم في «يجد» فلأنّ «يجد» شاذّ ، فالضمّ فيه عارض ، فحذفت فيه الواو ، كما حذفت في «يضع».
فإن قال قائل : فلعلّ الواو في «يجد» حذفت للثقل ، ولم تحذف في «يوضؤ» و «يوطؤ» مضارع «وطؤ» و «وضؤ» لأنهم التزموا في مضارع «فعل» طريقة واحدة ، ألا ترى أنه إنما يجيء على «يفعل» بضمّ العين خاصّة ، فكرهوا الحذف لئلّا يتغيّر المضارع عن أصله ، كما التزم الضمّ في غير المضارع لذلك؟.
فالجواب : أنّ الحذف ليس بمغيّر لمضارع «فعل» عن أصله ، ألا ترى أنك إذا خففّت «يوضؤ» ، ثم أدخلت الجازم ، حذفت الواو للجزم في أحد الوجهين على حدّ قوله :
__________________
(١) البيت من البحر الكامل ، وهو لجرير في المقاصد النحوية للعيني ٤ / ٥٩١ ، وللبيد بن ربيعة في شرح شافية ابن الحاجب للأستراباذي ١ / ٣٢ ، وللبيد أو جرير في لسان العرب لابن منظور ، مادة (وجد).