فأما قوله :
إذا ما المرء ضمّ ، ولم يكلّم |
|
ولم يك سمعه إلّا دعايا (١) |
وسائر أبيات هذه القصيدة فضرووة ، ولو يسمع مثله في غير هذا الموضع. ووجهه أنه أجرى ألف الإطلاق مجرى تاء التأنيث التي بنيت عليها الكلمة. فكما لم تقلب الواو ولا الياء في مثل «إداوة» و «نهاية» همزة فكذلك لم تقلب في «دعايا» وأخواته.
فإن كان الساكن ياء أو واوا أدغمت فيما بعده. فإن كان الساكن مخالفا للّام ، أعني : بأن يكون أحدهما واوا والآخر ياء ، قلبت الواو ياء تقدّمت أو تأخرت ، وأدغمت الياء في الياء نحو «بغيّ» و «سريّ». أصلهما «بغوي» و «سريو» ، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ، ثم قلبت الضمّة التي في العين من «بغي» كسرة ، لتصحّ الياء. والدليل على أنّ «بغيّا» : «فعول» كونه للمؤنث بغير تاء. قال الله تعالى : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم : ٢٨] ، ولو كان «بغيّ» : «فعيل» لكان بالتاء كـ «ظريفة».
فإن كان الساكن موافقا للّام أدغمت من غير قلب ، وذلك نحو «عدوّ» و «وليّ». وقد حكي القلب في الواو ، وهو قليل ، قالوا «أرض مسنيّة» من «يسنوها المطر» ، وقالوا «معديّ» من «عدوت». قال :
وقد علمت عرسي ملكية أنّني |
|
أنا اللّيث ، معديّا عليه ، وعاديا (٢) |
وإنما جاز القلب ، على قلّته ، لكون الواو متطرّفة لم يفصل بينها وبين الضمّة إلّا حاجز غير حصين ، وهو الواو الساكنة الزائدة الخفيّة بالإدغام. فكما قلبت الواو ياء إذا تطرّفت وقبلها الضمّة. وتقلب الضمّة التي قبلها كسرة ، فكذلك تقلب هنا.
وزعم الفرّاء أنه إنما جاز في «مسنيّة» و «معديّ» لأنهما مبنيّان على «سني» و «عدي» فكما قلبت الواو ياء في الفعل فكذلك فيما بني عليه. وهذا باطل ، لأنهم قد فعلوا ذلك في غير اسم المفعول فقالوا «عتا عتيّا». قال الله تعالى : (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [مريم : ٨] والمصدر ليس مبنيّا على فعل المفعول فدلّ ذلك على أنّ العلّة فيه ما ذكرنا.
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو للمستوغر بن ربيعة في حماسة البحتري ص ٢٠٣ ، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام ص ٣٤ ، وللأعصر بن سعد بن قيس بن غيلان في لسان العرب لابن منظور ، مادة (حمى).
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لعبد يغوث بن وقاص الحارثي في خزانة الأدب للبغدادي ٢ / ١٠١ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٦٩١ ، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي ٢ / ٤٣٣ ، وشرح اختيارات المفضل للخطيب التبريزي ص ٧٧١ ، وشرح التصريح للشيخ خالد الأزهري ٢ / ٣٨٢ ، والكتاب لسيبويه ٤ / ٣٨٥.