«رأيت قاضيا وغازيا». وأما في حال الرفع والخفض فيكون الإعراب مقدّرا فيها ، استثقالا للرفع والخفض في الياء ، فتسكن الياء لذلك. فإن لقيها ساكن حذفت ، وإن لم يلقها ساكن ثبتت. وذلك نحو «هذا قاض» و «مررت بقاض» حذفت الياء ، لمّا اجتمعت ساكنة مع التنوين ، و «هذا القاضي» و «مررت بالقاضي» أثبتت الياء ، لمّا لم يلها ساكن تحذف من أجله.
هذا إن كان الاسم منصرفا. فإن كان الاسم الذي في آخره ياء قبلها كسرة غير منصرف فإن الفتحة تظهر في الياء في حال النصب لخفتها ، نحو «رأيت جواري وأعيمي». وأما في حال الرفع والخفض فإنّ العرب تستثقل الرفع والخفض فيها ، مع ثقل الاسم الذي لا ينصرف ، فتحذف الياء بحركتها ، فينقص البناء ، فيدخل التنوين ، فيصير التنوين عوضا من الياء المحذوفة ، فتقول «هذه جوار» و «مررت بجوار» ، و «هذا أعيم» و «مررت بأعيم». هذا مذهب سيبويه. ومذهب أبي إسحاق أنّ المحذوف أوّلا إنما هو الحركة في الرفع والخفض استثقالا ، فلمّا حذفت الحركة عوّض منها التنوين ، فالتقى ساكنان ـ الياء والتنوين ـ فحذفت الياء لالتقاء الساكنين.
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، لأن تعويض الحرف من الحرف أكثر في كلامهم من تعويض الحرف من الحركة. وأيضا فإنه كان يجب أن يعوّض التنوين من الحركة التي قد حذفت في الفعل نحو «يقضي» و «يرمي».
فإن قيل : إنما منع من ذلك أنّ التنوين لا يدخل الفعل!؟.
قيل له : وكذلك التنوين لا يدخل الأسماء التي لا تنصرف وأيضا فإنه كان يجب أن يعوّض من الحركة المحذوفة التنوين في مثل «حبلى». بل كان يجب أن يكون العوض في «حبلى» ألزم ، لأنه لا تظهر الحركة في «حبلى» في حال ، وقد تظهر في «جوار» و «أعيم» وأمثالهما في حال النصب. فأن لم يفعلوا ذلك دليل على فساد مذهب أبي إسحاق.
ومما يدلّ على أنّ التنوين في «جوار» و «غواش» وأمثالهما عوض من الحرف المحذوف أنهم لا يحذفون في مثل «الجواري» و «الأعيمي» و «جواريك» و «أعيميك» ، لأنهم لو حذفوا لم يكن لهم سبيل إلى العوض ، لأنّ التنوين لا يمكن اجتماعه مع الإضافة ، ولا مع الألف واللّام. وهم قد عزموا على ألّا يحذفوا إلّا بشرط العوض ، فامتنع الحذف لذلك.
وقد تجري العرب الاسم الذي في آخره ياء مكسور ما قبلها مجرى الصحيح الآخر ،