وذلك نحو «قوقيت» (١) و «ضوضيت» (٢) في بنات الواو ، و «حاحيت» و «عاعيت» و «هاهيت» (٣) في بنات الياء. والأصل «ضوضوت» و «قوقوت» ـ فأبدلوا الواو الأخيرة ياء ، لوقوعها طرفا رابعة ، للعلّة التي ذكرنا في «أغزيت» ـ و «حيحيت» و «عيعيت» و «هيهيت» فأبدلوا من الياء ألفا. كراهية اجتماع الأمثال.
فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّ «قوقيت» : «فعللت» ، ولعلها «فعليت» أو «فوعلت». وكذلك أيضا «حاحيت» ما الذي يدلّ على أنه «فعللت» ولعله «فاعلت»؟.
فالجواب : أنّ الذي يدلّ على أنّ «قوقيت» : «فعللت» أنه لو كان «فوعلت» لكان من باب «ددن». ولو كان «فعليت» لكان من باب «سلس وقلق». وهما بابان قليلان ، و «قوقيت» وأمثاله كثير. فدلّ ذلك على أنه ليس بـ «فوعلت» ، ولا بـ «فعليت».
وأما «حاحيت» وأمثالها فالذي يدلّ على أنها «فعللت» لا «فاعلت» المصدر ؛ ألا تراهم قالوا «الحيحاء» و «العيعاء» ، فيجيء بمنزلة «السّرهاف» (٤). ولو كان «فاعل» لكان مصدره «فعالا» نحو «قاتل قتالا».
فإن قيل : وقد يجيء «الفعال» مصدرا لـ «فاعل» ، قالوا «قاتله قيتالا»؟.
فالجواب : أنّ ذلك قليل ، فلا ينبغي أن يحمل عليه «الحيحاء» و «العيعاء».
والذي يدلّ أيضا على أنّ «حاحيت» و «عاعيت» : «فعللت» قولهم «الحاحاة» و «العاعاة» بمنزلة «الدّحرجة» و «القلقلة» و «الزّلزلة». ولو كانتا «فاعلت» لما جاز ذلك ؛ ألا ترى أنه لا يقال «قاتل قاتلة» ولا «ضارب ضاربة».
وأيضا فإنّ جعل الألف زائدة يؤدّي إلى دخولهما في الباب القليل ـ أعني باب «ددن» ـ وهو كون الفاء والعين من جنس واحد.
فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّ الألف منقلبة عن الياء فيهما؟.
فالجواب : أنّ الذي يدلّ على ذلك أنه لم يجىء قطّ على أصله. فلو كان من ذوات الواو لجاء على أصله ، كـ «قوقيت».
__________________
(١) قوقت الدجاجة : إذا صوّتت عند البيض ، أي : صاحت. انظر العين للفراهيدي ، مادة (قوي).
(٢) الضّأضاء : صوت الناس. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (ضوا).
(٣) هذه الأصوات الثلاثة ينادى بها للغنم.
(٤) السرهاف : من قولك : سرهفت الرجل : إذا أحسنت غذاءه. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (سرهف).