فضل صوت في الحرف كما أنّ اللّين كذلك. وهي من حروف الزيادة كما أنّ الياء والواو كذلك ، وتزاد في موضع زيادتهما تقول «عنسل» و «جحنفل» و «رعشن» كما تقول «كوثر» و «صيقل» و «جدول» و «عثير» و «ترقوة» و «عفرية». وأيضا فإنها قد أدغمت فيما قارب الواو في المخرج ، وهو الميم ، وفيما هو على طريق الياء وهو الراء ؛ ألا ترى أنّ الألثغ بالراء يجعلها ياء. فأدغمت النون في الياء والواو كما أدغمت في الميم والراء. فلمّا قاربت النون هذه الحروف الخمسة أدغمت فيها.
ولا يجوز البيان إن كانت النون ساكنة. فإن كانت متحرّكة جاز ، لفصل الحركة بين المتقاربين ، لأنّ النيّة بالحركة أن تكون بعد الحرف ، وذلك نحو «ختن مّوسى».
وإذا أدغمت في الراء واللّام والواو والياء كان إدغامها بغنّة ، وبغير غنّة. أما إدغامها بغير غنّة فعلى أصل الإدغام ، لأنك إذا أدغمتها صار اللفظ بها من جنس ما تدغم فيه. فإذا كان ما بعدها غير أغنّ ذهبت الغنّة ، لكونها تصير مثله. ومن أبقى الغنّة فلأنها فصل صوت ، فكره إبطالها. فحافظ عليها بأن أدغم ، وأبقى بعضا من النون وهو الغنّة. وإبقاؤها عندي أجود ، لما في ذلك من البيان للأصل والمحافظة على الغنّة.
وإذا أدغمت في الميم قلبت إلى جنسه ، ولم يبق لها أثر ، ولست بمحتاج إلى غنّة النون ، لأنّ الميم فيها غنّة ، فإذا قلبتها ميما محضة لم تبطل الغنّة.
وزعم سيبويه أنها مع ما تدغم فيه مخرجها من الفم ، لا من الخياشيم ، لأنها لو كانت تدغم في حروف الفم ، وهي من الخياشيم ، لتفاوت ما بينها ، ولا يدغم الأبعد في الأبعد. ووافقه المبرّد في جميع ذلك ، إلّا الميم لأنها من الشفة ، فلو كانت النون المدغمة فيها من الفم لبعدت من الميم. قال : ولكن مخرجها مع الميم من الخياشيم ، لأنّ الميم تخرج من الشفة ، وتصير إلى الخياشيم للغنّة التي فيها ، فأدغمت فيها النون لتلك المجاورة.
ومذهب سيبويه عندي أولى ، لأنّ النون التي في الفم تصير أيضا إلى الخياشيم ، للغنّة التي فيها ، كما كان ذلك في الميم.
وقلبت مع الباء ميما ، ولم تدغم فيها ، لأنّ الباء لا تقارب النون في المخرج كما قاربتها الرّاء واللّام ، ولا فيما يشبه الغنّة وهو اللّين ، ولا في الغنّة كما قاربتها الميم. فلمّا تعذّر إدغامها في الباء قلبت معها ميما ، لأنّ الباء من مخرج الميم فعوملت معاملتها ، فلمّا قلبت النون مع الميم ميما قلبت ميما أيضا مع الباء. وأمن الالتباس ، لأنه ليس في الكلام ميم ساكنة قبل باء.