وأما «الماطرون» (١) فزعم أبو الحسن أنّ نونه أصليّة ، وأنّ وزن الكلمة عنده «فاعلول» ، واستدلّ على ذلك بجرّ النون ، قال الشاعر :
طال همّي (٢) ، وبتّ كالمحزون |
|
واعترتني الهموم ، بالماطرون |
ووجه استدلاله بكسر النون ، على أنها أصل ، هو أنها لو جعلت زائدة لكانت الكلمة جمعا في الأصل سمّي به ؛ لأنّ المفردات لا يوجد في آخرها واو ونون زائدين. والجمع إذا سمّي به فله في التسمية طريقان : أحدهما أن تحكي فيه طريقته وقت أن كان جمعا ، فيكون في الرفع بالواو ، وفي النصب والخفض بالياء ، والطريقة الأخرى أن تجعل الإعراب في النون ، وتقلب الواو ياء على كل حال ، فتقول : هذا زيدين ، ورأيت زيدينا ، ومررت بزيدين ، فلمّا لم يجىء «الماطرون» على وجه من هذين الوجهين قضي عليه بأنه مفرد ، فوجب عليه جعل النون أصليّة.
وهذا لا دليل له فيه ، لأنّ أبا سعيد وغيره من النحويّين حكوا في التسمية وجهين ، غير هذين : أحدهما جعل الإعراب في النون ، وإبقاء الواو على كل حال. فيقولون : هذا ياسمون ، ورأيت ياسمونا ، ومررت بياسمون ، فيكون «الماطرون» جمعا سمّي به ، على هذا الوجه. والوجه ، الآخر أن تكون النون مفتوحة في كلّ حال ، وقبلها الواو ، فيقال هذا ياسمون البرّ ، ورأيت ياسمون البرّ ، ومررت بياسمون البرّ ، وقد جاء ذلك في «الماطرون». وعليه قوله :
ولها بالماطرون ، إذا |
|
أكل النّمل الذي جمعا (٣) |
وهذا مما يدلّ على أنه جمع ، محكيّة فيه حالة الرفع ، إذ لو كان مفردا لأثّر فيه العامل ، إذ لا موجب لبنائه ، على أنّ أبا سعيد السيرافيّ قال : أظنّها فارسيّة ، فإذا كانت كذلك فلا حجّة فيها.
__________________
(١) الماطرون : اسم موضع ، لسان العرب ، مادة (مطر).
(٢) البيت من البحر الخفيف ، وهو لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص ٦٨ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٧ / ٣١٤ ، ولسان العرب مادة (خصر). ولعبد الرحمن بن حسان في ديوانه ص ٥٩ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٥٣.
(٣) البيت من المديد ، وهو لأبي وهيد الجمحي ، وينسب ليزيد بن معاوية ، في أنساب الأشراف للبلاذري ٢ / ١٧٧ ، وجمهرة اللغة ، مادة (خلف) ، وتهذيب اللغة للأزهري ١٣ / ٢٣٢ وأمالي ابن سمعون ١ / ١٦٣ ، والخصائص لابن جني ٣ / ٢١٦.