ومقتضى كلام ابن مالك أنها مع الماضى إنما تفيد التقريب كما ذكره ابن عصفور ، وأن من شرط دخولها كون الفعل متوقعا كما قدمنا ؛ فإنه قال تسهيله : وتدخل على فعل ماض متوقّع لا يشبه الحرف لقربه من الحال اه.
الرابع : دخول لام الابتداء فى نحو «إنّ زيدا لقد قام» وذلك لأن الأصل دخولها على الاسم نحو «إنّ زيدا لقائم» وإنما دخلت على المضارع لشبهه بالاسم نحو (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) فإذا قرب الماضى من الحال أشبه المضارع الذى هو شبيه بالاسم ؛ فجاز دخولها عليه.
المعنى الثالث : التقليل ، وهو ضربان : تقليل وقوع الفعل نحو «قد يصدق الكذوب» و «قد يجود البخيل (١)» وتقليل متعلقه نحو قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أى ما هم عليه هو أقل معلوماته سبحانه ، وزعم بعضهم أنها فى هذه الأمثلة ونحوها للتحقيق ، وأن التقليل فى المثالين الأولين لم يستفد من قد ، بل من قولك : البخيل يجود ، والكذوب يصدق ، فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك منهما قليل كان فاسدا ، إذ آخر الكلام يناقض أوله.
الرابع ، التكثير ، قاله سيبويه فى قول الهذلى :
٢٨٩ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله |
|
[كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد] |
وقال الزمخشرى فى (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) أى ربما نرى ، ومعناه تكثير الرؤية ، ثم استشهد بالبيت ، واستشهد جماعة على ذلك ببيت العروص :
٢٩٠ ـ قد أشهد الغارة الشّعواء تحملنى |
|
جرداء معروقة اللّحيين سرحوب |
الخامس : التحقيق ، نحو (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) وقد مضى أن بعضهم حمل عليه قوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) قال الزمخشرى : دخلت لتوكيد العلم ، ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد ، وقال غيره فى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا) قد
__________________
(١) فى نسخة «قد يعثر الجواد» بدل «قد يجود البخيل».