ولهذا الوجه مبعد ، وهو ادعاء حذف الصفة وجوبا ، حيث لم يرد مصرّحا به فى شىء من أمثلة هذا التركيب ، ومن هنا ضعف قول أبى الحسن فى نحو «أعجبنى ما قمت» : إن ما اسم ، والأصل ما قمته ، أى القيام الذى قمته ، وقوله فى «يا أيها الرجل» : إن أيّا موصولة والمعنى يا من هو الرجل ، فإن هذين العائدين لم يلفظ بهما قط ، وهو مبعد عندى أيضا لقول سيبويه فى نحو «سرت طويلا ، وضربت زيدا كثيرا» : إن طويلا وكثيرا حالان من ضمير المصدر محذوفا ، أى سرته وضربته ، أى السير والضرب ، لأن هذا العائد لم يتلفظ به قط.
فإن قلت : فقد قالوا «ولا سيّما زيد» بالرفع ، ولم يقولوا قط «ولا سيما هو زيد».
قلت : هى كلمة واحدة شذّوا فيها بالتزام الحذف ، ويؤنسك بذلك أن فيها شذوذين آخرين : إطلاق «ما» على الواحد ممن يعقل ، وحذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة.
وللوجه الأول مقربان : كثرة مجىء الماضى بعدها نحو (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ) (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا) وأنّ ما المصدرية التوقيتية شرط من حيث المعنى ، فمن هنا احتيج إلى جملتين إحداهما مرتبة على الأخرى ، ولا يجوز أن تكون شرطية مثلها فى «ما تفعل أفعل» لأمرين : أن تلك عامة فلا تدخل عليها أداة العموم ، وأنها لا ترد بمعنى الزمان على الأصح.
وإذا قلت : «كلّما استدعيتك فإن زرتنى فعبدى حرّ» فكل منصوبة أيضا على الظرفية ، ولكنّ ناصبها محذوف مدلول عليه بحرّ المذكور فى الجواب وليس العامل المذكور لوقوعه بعد الفاء وإن ، ولما أشكل ذلك على ابن عصفور