هؤلاء فى منفيها على قولين ؛ أحدهما : أنه شىء تقدم ، وهو ما حكى عنهم كثيرا من إنكار البعث ، فقيل لهم : ليس الأمر كذلك ثم استؤنف القسم ، قالوا : وإنما صح ذلك لأن القرآن كله كالسورة الواحدة ، ولهذا يذكر الشىء فى سورة وجوابه فى سورة أخرى ، نحو (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) وجوابه (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) والثانى : أن منفيها أقسم ، وذلك على أن يكون إخبارا لا إنشاء ، واختاره الزمخشرى ، قال : والمعنى فى ذلك أنه لا يقسم بالشىء إلا إعظاما له ؛ بدليل (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) فكأنه قيل : إن إعظامه بالإقسام به كلا إعظام ، أى أنه يستحق إعظاما فوق ذلك ، وقيل : هى زائدة. واختلف هؤلاء فى فائدتها على قولين ؛ أحدهما : أنها زيدت توطئة وتمهيدا لنفى الجواب ، والتقدير لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى ، ومثله (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) ، وقوله :
٤١٢ ـ فلا وأبيك ابنة العامرىّ |
|
لا يدّعى القوم أنّى أفرّ |
ورد بقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) الآيات ؛ فإن جوابه مثبت وهو (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) ومثله (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) الآية ، والثانى : أنها زيدت لمجرد التوكيد وتقوية الكلام ، كما فى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) ورد بأنها لا تزاد لذلك صدرا ، بل حشوا ، كما أن زيادة ما وكان كذلك نحو (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) ونحو «زيد كان فاضل» وذلك لأن زيادة الشىء تفيد اطراحه ، وكونه أول الكلام يفيد الاعتناء به ، قالوا : ولهذا نقول بزيادتها فى نحو (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) لوقوعها بين الفاء ومعطوفها ، بخلاف هذه ، وأجاب أبو على مما تقدم من أن القرآن كالسورة الواحدة.