فأبدلت النون ميما وأدغمت ، فلما كثرت الميمات حذفت الأولى ، وهذا القول ضعيف ؛ لأن حذف مثل هذه الميم استثقالا لم يثبت ، وأضعف منه قول آخر : إن الأصل لمّا بالتنوين بمعنى جمعا ، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف ، لأن استعمال لما فى هذا المعنى بعيد ، وحذف التنوين من المنصرف فى الوصل أبعد ؛ وأضعف من هذا قول آخر : إنه فعلى من اللّمم ، وهو بمعناه ؛ ولكنه منع الصرف لألف التأنيث ، ولم يثبت استعمال هذه اللفظة ، وإذا كان فعلى فهلّا كتب بالياء ، وهلّا أماله من قاعدته الإمالة ، واختار ابن الحاجب أنها لمّا الجازمة حذف فعلها ، والتقدير : لمّا يهملوا ، أو لما يتركوا ؛ لدلالة ما تقدم من قوله تعالى (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم ، قال : ولا أعرف وجها أشبه من هذا ، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع فى التنزيل ، والحقّ أن لا يستبعد لذلك ، اه. وفى تقديره نظر ، والأولى عندى أن يقدر «لمّا يوفّوا أعمالهم» أى أنهم إلى الآن لم يوفّوها وسيوفّونها ، ووجه رجحانه أمران ؛ أحدهما : أن بعده (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) وهو دليل على أن التوفية لم تقع بعد وأنها ستقع ، والثانى : أن منفىّ لمّا متوقع الثبوت كما قدمنا ، والإهمال غير متوقع الثبوت.
وأما قراءة أبى بكر بتخفيف (إِنَّ) وتشديد (فَلَمَّا) فتحتمل وجهين ؛ أحدهما : أن تكون مخففة من الثقيلة ، ويأتى فى لما تلك الأوجه ، والثانى : أن تكون أن نافية ، و(كُلا) مفعول بإضمار أرى ، ولما بمعنى إلّا.
وأما قراءة النحويين بتشديد النون وتخفيف الميم وقراءة الحرميين بتخفيفهما فإنّ فى الأولى على أصلها من التشديد ووجوب الإعمال ، وفى الثانية مخففة من الثقيلة ، وأعملت على أحد الوجهين ، واللام من لما فيهما لام الابتداء ، وقيل : أو هى فى قراءة التخفيف الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة ، وليس كذلك ؛ لأن تلك إنما تكون عند تخفيف إن وإهمالها ، وما زائدة للفصل بين اللامين كما زيدت الألف