فلا يصحّ الاستثناء منه ، فلو قلت «قام رجال إلا زيدا» لم يصح اتفاقا ، وزعم المبرد أن «إلّا» فى هذه الآية للاستثناء ، وأن ما بعدها بدل ، محتجا بأن «لو» تدل على الامتناع ، وامتناع الشىء انتفاؤه ، وزعم أن التفريغ بعدها جائز ، وأن نحو «لو كان معنا إلّا زيد» أجود كلام ، ويردّه أنهم لا يقولون «لو جاءنى ديّار أكرمته» ولا «لو جاءنى من أحد أكرمته» ولو كانت بمنزلة الثانى لجاز ذلك كما يجوز «ما فيها ديّار» و «ما جاءنى من أحد» ولما لم يجز ذلك دلّ على أن الصواب قول سيبويه إنّ إلّا وما بعدها صفة.
قال الشلوبين وابن الضائع : ولا يصح المعنى حتى تكون إلا بمعنى غير ، والتى يراد بها البدل والعوض ، قالا : وهذا هو المعنى فى المثال الذى ذكره سيبويه توطئة للمسألة ، وهو «لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا» أى : رجل مكان زيد أو عوضا من زيد ، انتهى.
قلت : وليس كما قالا ، بل الوصف فى المثال وفى الآية مختلف ، فهو فى المثال مخصّص مثله فى قولك «جاء رجل موصوف بأنه غير زيد» وفى الآية مؤكّد مثله فى قولك «متعدد موصوف بأنه غير الواحد» وهكذا الحكم أبدا :
إن طابق ما بعد إلّا موصوفها فالوصف مخصّص له ، وإن خالفه بإفراد أو غيره فالوصف مؤكد ، ولم أر من أفصح عن هذا ، لكن النحويين قالوا : إذا قيل «له عندى عشرة إلا درهما» فقد أقر له بتسعة ، فإن قال «إلّا درهم» فقد أقر له بعشرة ، وسرّه أن المعنى حينئذ عشرة موصوفة بأنها غير درهم ، وكلّ عشرة فهى موصوفة بذلك ، فالصفة هنا مؤكدة صالحة للاسقاط مثلها فى (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ)(١) وتتخرج الآية على ذلك ، إذ المعنى حينئذ لو كان فيهما آلهة لفسدتا ، أى أن الفساد يترتب على تقدير تعدّد الآلهة ، وهذا هو المعنى المراد
__________________
(١) فى نسخة «مثلها فى (نَعْجَةٌ واحِدَةٌ)» وكلتاهما صحيح.