لقصر المدة ، وقلة عناية التالين في حراسة العلم والأدب فلم يظهر في مدارسها نوابغ عديدون ليصح أن يقال لها حضارة خاصة لها طابعها المعروف ... والعلماء وأرباب الثقافة يكادون يعدون بالأصابع ...
والأهلون لم يتمكنوا من فتح أعينهم من غوائل الحروب ليميلوا للعلوم بل عادت بعد قليل جذعة ، قامت الفتن ، وتحركت الاضطرابات ، وصار سوق المتنفذين في رواج ، وزاد التغلب في الأنحاء ...
وحالات العشائر ، وسلوك المجاورين يعين أوضاعهم ... فهم في تنازع لا هوادة له ، ولا ركود للزوابع والقلاقل ... نرى القوي يتغلب ، والضعيف يقهر ، ومن شعر بوهن في المقابل أو خلل فيه جمح ، أو حاول القضاء على ندّه ليحل محله ... ومن ثم نجد الحكومات المجاورة ، والقبائل بالمرصاد تترقب الفرصة ، وتتطلع الحالة ... تتفق مع هذا اليوم ، ثم تصد غدا ، وتركن إلى آخر ، وهكذا الأهواء مختلفة والنزعات متباينة ، والآمال لا تقف عند حد ، والحرص بلغ منتهاه ، قتل الشعوب والحكومات معا ...
ونفسيات الأهلين من الحضر خاصة تجاه ذلك في ارتباك ، لا تدري ما يراد بها ولا ما تضمره الليالي من نكبات وآلام ، أو أرزاء ومصائب ... مما لا يسعه وصف ، أو يحيط به قلم من توقع خطر واضطراب وترقب ما لا تحمد عواقبه ...
وهذا العهد يتصل في أكثر وقائعه بالدولة (البارانية) من أوائل تكونها إلى أن فتحت العراق ، ومن ثم استقلت وحدها بالإدارة وقهرت عدوها ، وكان لها العز والصولة ... دامت إلى أن جاء أجلها ، ووقائعها في العراق عن أيامه الحاضرة غير معروفة تماما بسعة وبسط ولا مطردة متسلسلة ، وإنما حكاها المجاورون أو تعينت إجمالا في تواريخ هذه الحكومة ...