الحالة لا يسعنا أن نعد اطراء مثل هؤلاء دعوة جديدة ، ولا طريقة مبتكرة في التوجيه إلى هذه النحلة ، ولكن ذلك قلة معرفة ، والتتبع العميق يؤدي بنا حتما إلى أن رجال هذه الدعوة غلاة ، وأنهم لا تزال عقائدهم مبثوثة بين ظهرانينا ...
ولا يعنينا أن يعتقد المرء ما شاء ، ولكن الذي نلاحظه من شؤون هؤلاء أن ندون الصحيح من تاريخ العقيدة ، وأن نعلم ما تكتموا به ، فلا تهمل الوجهة التاريخية ، وأثرها ...
ونسيمي لا يشق له غبار في الآداب التركية والفارسية ، تداولت الألسن ديوانه ومقطوعات شعره ، وغالب العجم والترك من أهل نحلته القائلين بالحروفية يحفظون له الكثير والحق هو شاعر فحل ... ، أعلن ما لم يستطع أن يبوح به غيره ، فأبدى شجاعة أدبية لما وهب من شعر ...
رأينا فضل الله قد خذل ، وكادت طريقته تموت لو لا أن تداركها نسيمي بنظمه وشعره الرقيق ، فجددها وأحياها ... جعل الفارسية والتركية واسطتي تبليغه فمال إليه المتصوفة ... وما زال يذيع آراءه حتى عادت خطرا ، صار يخشى منها أن تحدث اضطرابا وثورة ، أو انقلابا في العقائد بحيث يصبح الإسلام لا علاقة له بأصله ، ولا بتعاليم مشرعه ... وتلخص نحلة هؤلاء بعبادة الأشخاص بل ترجع إلى ما هو أوسع كالاعتقاد بأن المادة هي الأول والآخر ... فاستكبر القوم عمله ، وصار لا يطاق تبليغ فكرته والشعر أعلق بالذهن ، فكان أشد وقعا ... ولم يكن الناس في عقلية واحدة من خداع الكثيرين مما جلب النقمة عليه ...
نقرأ الشعر البليغ ، فنطرب له وإن كان خلاف ما نحن عليه من سلوك ... وهذا أمر وقتي ، ورغبة آنية ، أو لذة في الأسلوب ، كما ترتاح للغزل ، أو الهزل ، أو وصف الخمرة ولا تلبث أن تزول ذكرى ذلك ...