إن كانت معه ؛ وكلّ هذه الأشياء كانت محرَّمة عليه ، فأبيح له أن يُحِلّ وينتفع بإحلال هذه الأشياء كلها ، مع ما سقط عنه من الرجوع إلى الميقات والإحرام منه بالحجّ ، والله أعلم ، ومن ههنا قال الشافعيّ : إن المتمتّع أخفّ حالاً من القارن ، فافهمه.
وأمَّا قول الله جلّ وعزّ : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البَقَرَة : ٢٤١] ، وقال في موضع آخر : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البَقَرَة : ٢٣٦]. قلت : وهذا التمتيع الذي ذكره الله للمطلقات على وجهين ، أحدهما واجب لا يسعه تركه ، والآخر غير واجب يستحبّ له فعله.
فالواجب للمطلَّقة التي لم يكن زوجها حين تزوّجها سَمَّى لها صَداقاً ، ولم يكن دخل بها حتى يطلّقها ، فعليه أن يمتّعها بما عزّ وهان من متاع ينفعها به : من ثوب يُلبِسها إيّاه ، أو خادِم يَخدمها أو دراهم أو طعام. وهو غير موقّت ؛ لأن الله عزوجل لم يحصره بوقت ، وإنما أمر بتمتيعها فقط ؛ وقد قال : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ). وأما المتعة التي ليست بواجبة وهي مستحبَّة من جهة الإحسان والمحافظة على العهد فأن يتزوّج الرجل امرأة ويسمّي لها صداقاً ، ثم يطلّقها قبل دخوله بها وبعده ، فيستحب أن يمتّعها بمُتْعة سوى نصف المهر الذي وجب عليه لها إن لم يكن دخل بها ، أو المهر الواجب كله إن كان دخل بها ، فيمتّعها بمُتْعة ينفعها بها ، وهي غير واجبة عليه ، ولكنه استحباب ليدخل في جملة المحسنين أو المتّقين ، والله أعلم. والعرب تسمي ذلك كلُّه مُتْعة ومَتَاعاً وتَحْميماً وحَمّاً.
وأمَّا قول الله جلّ وعزّ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) [البقرة : ٢٤٠] فإن هذه الآية منسوخة بقول الله جلّ وعزّ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤] فمُقام الحول منسوخ باعتداد أربعةِ أشهر وعَشْرِ ، والوصيَّة لهنّ منسوخة بما بيَّن الله من ميراثها في آية المواريث. وقرىء (وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) و (وصيةٌ) بالرفع والنصب. فمن نصب فعلى المصدر الذي أريد به الفعل ، كأنه قال : ليوصوا لهنَّ وصيّةً. ومَن رفع فعلى إضمار : فَعَلَيهم وصيّةٌ لأزواجهم. ونصب قوله : (مَتاعاً) على المصدر أيضاً ، أراد متّعوهن متاعاً. والمتاع والمُتْعة اسمان يقومان مقام المصدر الحقيقيّ ، وهو التمتيع ، أي انفعوهنّ بما توصون به لهنّ من صلة تَقُوتهنّ إلى تمام الحَوْل.
وأما قول الله جلَّ وعزَّ في سورة النساء بعقب ما حَرَّم من النساء فقال : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النِّساء : ٢٤] أي عاقدين النكاح الحلال غير زناة (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) [النِّساء : ٢٤] فإن