المعذِّرين قلت : يذهب ابن عبّاس إلى أن المُعْذِرين هم الذين لهم عُذْر والمعذّرون ـ بالتشديد ـ الذين يعتذرون بلا عذر ، وكأنهم المقصرون الذين لا عُذْر لهم والعرب تقول : أعذر فلان أي كان منه ما يُعذَر به.
ومنه قولهم : قد أعذر من أنذر. ويكون أعذر بمعنى اعتذر اعتذاراً يُعذَر به.
ومنه قول لَبيد يخاطب ابنتيه :
فقوما فقولا بالذي قد علمتما |
ولا تخمِشا وجهاً ولا تحلقا الشَعَرْ |
|
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما |
ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذرْ |
فجعل الاعتذار بمعنى الإعذار ، والمعتذِر يكون مُحِقاً ويكون غير مُحِقّ ؛ والمعاذير يشوبها الكذب.
واعتذر رجل إلى عمر بن عبد العزيز ، فقال له : عَذَرتك غير معتذِر.
ويقول : عذرتك دون أن تعتذر وقرأ يعقوب الحضرميّ وحده : (وجاء المُعْذِرون) ساكنة العين ، وسائر قرّاء الأمصار قرءوا : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) [التوبة : ٩٠] بفتح العين وتشديد الذال ، ممن قرأ الْمُعَذِّرُونَ فهو في الأصل : المعتذرون ، فأدغمت التاء في الذال لقرب المخرجين ، ومعنى المعتذرين : الذين يعتذرون ، كان لهم عذر أو لم يكن ، وهو ههنا شبيه بأن يكون لهم عذر. ويجوز في كلام العرب : المعِذّرون بكسر العين ؛ لأن الأصل : المعتذرون فأسكنت التاء وأدغمت في الذال ونُقِلت حركتها إلى العين ، فصار الفتح في العين أولى الأشياء ، ومن كسر العين جرّه لالتقاء الساكنين ، ولم يُقرأ بهذا.
ويجوز أن يكون الْمُعَذِّرُونَ : الذين يعذّرون يوهمون أن لهم عذراً ولا عذر لهم.
وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سَلَّام الجُمَحيّ عن يونس النحويّ أنه سأله عن قوله تعالى : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) [التوبة : ٩٠] فقال : قلت ليونس : (المُعْذرون) مخفّفة كأنها أقيس ؛ لأن المُعْذِر : الذي له عُذْر ، والمعذّر : الذي يعتذر ولا عذر له. فقال يونس : قال أبو عمرو بن العلاء : كِلَا الفريقين كان مسيئاً ، جاء قوم فعذَّروا ، وجَلَّح آخرون فقعدوا.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في قوله : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ). قال : معناه : المعتذرون.
ويقال : عذَّر الرجل يَعِذّر عِذّاراً في معنى اعتذر.
ويجوز عِذِّر يَعِذّر فهو مُعِذِّر ، واللغة الأولى أجودهما.
قال : ومثله هَدّى يَهدّى هِدّاءً إذا اهتدى. هِدَّى يهِدِّي.
قال الله جل وعزّ : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) [يُونس : ٣٥].
قلت : ويكون الْمُعَذِّرُونَ بمعنى المقصّرين على مفعِّلين من التعذير وهو التقصير. يقال : قام فلان قيام تعذير فيما استكفيتُه إذا لم