ولا غيرها ، وتوهَّم أنه يُصلح غَلطاً ، فجاء بأطمّ غلط. وجهل ما قاله الأصمعيّ ، وحمله جهله به على التخبّط فيما لا يعرفه ، فرأيت أن أذكر أصناف النخيل لتقف عليها ، فيصحَّ لك ما حكاه أبو عبيد عن الأصمعيّ. فمن النخيل السَقِيّ. ويقال : المَسْقَوِيّ. وهو الذي يُسقَى بماء الأنهار والعيون الجارية. ومن السقِيّ ما يُسقَى نَضْحاً بالدلاء والنواعير وما أشبهها.
فهذا صنف. ومنها العِذْي. وهو ما نبت منها في الأرض السهلة ، فإذا مُطِرت نشِفت السهولةُ ماءَ المطر ، فعاشت عروقُها بالثرى الباطن تحت الأرض ، ويجيء تمرها قَعقاعاً ؛ لأنه لا يكون ريَّان كالسَّقِيّ. ويسمَّى التمر إذا جاء كذلك قَسْباً وسُحّاً. والضرب الثالث من النخيل : ما نبت ودِيُّه في أرض يقرب ماؤها الذي خلقه الله تحت الأرض في رَقَّات الأرض ذات النَزّ ، فرسخت عروقُها في ذلك الماء الذي تحت الأرض واستغنَتْ عن سَقْي السماء وعن إجراء ماء الأنهار إليها أو سَقْيها نَضْحاً بالدلاء.
وهذا الضرب هو البَعْل الذي فسّره الأصمعيّ. وتَمْر هذا الضرب من التُمْران لا يكون ريّان ولا سُحّاً ولكن يكون بينهما وهكذا فسّر الشافعيّ رَضِي اللهُ عَنه البَعْل في باب القَسْم ، فيما أخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعي فقال : البَعْل : ما رَسَخ عروقه في الماء فاستغنَى عن أن يُسقى. قلت : وقد رأيت بناحية البيضاء من بلاد جزيمةِ عبد القيس نخلاً كثيراً عروقها راسخة في الماء وهي مستغنية عن السَقْي وعن ماء السماء تسمَّى بَعْلاً. وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه ذكر أيام التشريق فقال : «إنها أيام أكل وشُرْب وبِعَال». قال أبو عبيد : البِعَال : النكاح وملاعبة الرجل أهله. يقال للمرأة : هي تباعِل زوجها بِعَالاً ومباعلة إذا فعلت ذلك معه. وقال الحطيئة :
وكم من حَصَان ذات بَعْل تركتَها |
إذا الليل أدجى لم تجد من تُبَاعِلُهْ |
أراد : أنك قتلْتَ زوجها أو أسرته. ويقال للرجل : هو بعل المرأة. ويقال للمرأة : هي بَعْله وبعلته. ويجمع البعل بُعولة ، قال الله جلّ وعزّ : (وَبُعُولَتُهُنَ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) [البَقَرَة : ٢٢٨]. وقال الليث في تفسير البعل من النخل ما هو أطمّ من الغلط الذي ذكرناه عن القتيبيّ. زعم أن البعل : الذكر من النخل ، والناس يسمّونه الفحل. قلت : وهذا غلط فاحش. وكأنه اعتبر هذا التفسير من لفظ البعل الذي معناه الزوج.
قلت : وبعل النخيل : إناثها التي تُلَقَّح فتحمِل. وأما الفُحال فإن ثمره ينتفض ، وإنما يلقَّح بطَلْعه طَلعُ الإناث إذا انشق. وقال الليث أيضاً : البَعْل : الزوج. يقال : بَعَل يَبْعَل بُعولة فهو باعل أي مستعلج قلت : وهذا من أغاليط الليث أيضاً. وإنما سمّي زوج المرأة بعلاً لأنه سيّدها ومالكها ، وليس من باب الاستعلاج في شيء. وروى سَلَمة عن الفرّاء وأبو عبيد عن الأصمعيّ : بعل الرجل يَبْعَل بَعلاً كقولك : دَهِش وخَرِق وعَقِر. وقال ابن الأعرابي : البعل : الضَجَر والتبرُّم بالشيء.