الفصل السادس عشر
فى ذكر حج إبراهيم عليهالسلام وآذانه بالحج
وحج الأنبياء عليهمالسلام بعده وطواف الأنبياء بعده
عن محمد بن إسحاق ، قال : لما فرغ إبراهيم ـ خليل الرحمن ـ من بناء البيت الحرام ، وجاءه جبريل ـ عليهالسلام ـ فقال : طف به سبعا ، فطاف به سبعا هو وإسماعيل ؛ يستلمان الأركان كلها فى كل طواف ، فلما أكملا السبع هو وإسماعيل صليا خلف المقام ركعتين. قال : فقام معه جبريل ، فأراه المناسك كلها : الصفا ، والمروة ، ومنى ، ومزدلفة ، وعرفة. قال : فلما دخل منى وهبط من العقبة ؛ تمثل له إبليس عند جمرة العقبة ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه إبراهيم بسبع حصيات ، فغاب عنه ، ثم برز له عند الجمرة الوسطى ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بسبع حصيات ، فغاب عنه ، ثم برز له عند الجمرة السفلى ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الحذف ، فغاب عنه إبليس.
ثم مضى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فى حجه وجبريل يوقفه على المواقف ، ويعلمه المشاعر والمناسك حتى انتهى إلى عرفة ، فلما انتهى إليها ، قال له جبريل : أعرفت مناسكك؟ قال إبراهيم : نعم ، فيقال : سميت عرفات لذلك ، أى : لقوله أعرفت مناسكك؟ ثم أمر الله ـ تعالى ـ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أن يؤذن فى الناس بالحج ، فقال إبراهيم : يا رب ، وأين يبلغ صوتى؟ قال الله تعالى : أذن وعلىّ البلاغ. قال : فعلا إبراهيم على المقام ـ وقيل : على جبل أبى قبيس ـ فأشرف به حتى صار كأرفع الجبال وأطولها ، فجمعت له الأرض يومئذ : سهلها وجبلها ، برها وبحرها ، إنسها وجنها ، حتى أسمعهم جميعا ، فأدخل أصبعيه فى أذنيه ، وأقبل بوجهه يمينا وشمالا ، وشرقا وغربا ، وبدأ بشق اليمن ، فقال : أيها الناس ، كتب الله عليكم حج البيت العتيق ، فأجيبوا ربكم ، فأجابوه فى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ،