الفصل الثالث
فى ذكر فضيلة المدينة وذكر تفضيل مكة والمدينة
أجمع العلماء بالاتفاق أن موضع قبر النبى صلىاللهعليهوسلم أفضل بقاع الأرض ، وبعده مكة. والمدينة أفضل من جميع بقاع الدنيا.
ثم اختلفوا فى أن مكة شرفها الله تعالى أفضل أم المدينة كرمها الله تعالى وعظمها ؛ فذهب عمر وبعض الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ إلى تفضيل المدينة ؛ وهو قول مالك وأكثر المدنيين.
وذهب أبو حنيفة وأهل الكوفة إلى تفضيل مكة ، وبه قال ابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك. وإليه ذهب الشافعى وأحمد رحمهم الله (١).
أما حجة المدنيين : هذا الحديث ؛ وهو أن النبى صلىاللهعليهوسلم لما أخرج من مكة وتوجه إلى المدينة قال : «إلهى إن أهل مكة أخرجونى من أحب البقاع إلىّ ، فأنزلنى إلى أحب البقاع إليك» ، فأنزله بالمدينة (٢).
ولا شك أن محبوب الله تعالى أفضل من محبوب النبى صلىاللهعليهوسلم ولهذا اختار المقام فيها إلى أن مات ودفن بها صلىاللهعليهوسلم.
وذهب ابن عبد البر على ترجيح قول الأئمة الباقين وقال : حسبك بفضل مكة أن فيها بيت الله تعالى الذى يحط أوزار العباد بقصده إليه مرة فى العمر ، ولم تقبل من أحد صلاة إلا باستقبال جهته إذا قدر على التوجه إليها ، وهى قبلة لسائر المسلمين أحياء وأمواتا.
وأيضا : أن الله تعالى ذكر المسجد الحرام فى القرآن فى عدة من المواضع على
__________________
(١) القرى (ص : ٦٧٧) ، هداية السالك ١ / ٤٩.
(٢) أخرجه : الحاكم فى المستدرك ٣ / ٣. لكن لم يصححه ، وقال الذهبى : لكنه موضوع ؛ فقد ثبت أن أحب البلاد إلى الله مكة ، وسعد ليس بثقة.