الفصل الحادى عشر
فى ذكر وحشة آدم عليهالسلام فى الأرض
حين نزل بها ، وفضل البيت الحرام والحرم
عن وهب بن منبّه أنه قال : إن آدم ـ عليهالسلام ـ لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من شعثها ، ولم ير فيها أحدا غيره. قال : يا رب ، أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيرى؟ قال الله : إنى سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدى ويقدس لى ، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكرى ويسبحنى فيها خلقى ، وسأبؤك فيها بيتا أختاره لنفسى وأختصه بكراماتى ، وأؤثره على بيوت الأرض كلها باسمى ، فأسميه بيتى ، وأنطقه بعظمتى ، وأحوزه بحرماتى ، وأجعله أحق بيوت الأرض كلها وأولاها لذكرى ، وأضعه فى البقعة التى اخترتها لنفسى ؛ فإنى اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض وقبل ذلك ، وقد كان بعينى ، فهو صفوتى من البيوت ، ولست أسكنه ، ولا ينبغى لها أن تسعنى ، ولكنى على كرسى الكبرياء والجبروت ، وهو الذى استقل بعزتى ، وعليه وضعت عظمتى وجلالى ، وهنالك استقر قرارى ، ثم هو بعد ضعيف عنى لو لا قوتى ، ثم أنا ملء كل شىء ، وفوق كل شىء ، ومع كل شىء ، ومحيط بكل شىء ، وأمام كل شىء ، وخلف كل شىء ، ليس ينبغى لشىء أن يعلم علمى ، ولا يقدر قدرتى ، ولا يبلغ كنه شأنى ، أجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرما وأمنا ، أحرّم بحرماتى ما فوقه وما تحته وما حوله ، فمن حرّمه بحرمتى فقد عظم حرماتى ، ومن أخافهم فقد أخفرنى فى ذمتى ، ومن عظّم شأنه عظم فى عينى ، ومن تهاون به صغر فى عينى. ولكل ملك حيازة مما حواليه ، وبطن مكة حوزتى وحيازتى ، وأهلها جيران بيتى ، وعمارها وزوارها وفدى وأضيافى ، فى كنفى وأفنيتى آمنون علىّ ، فى ذمتى وجوارى ، فأجعله أول بيت وضع للناس ، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض ، يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل