الفصل الأربعون
فى ذكر أسرار الحج والحكمة الإلهية الأزلية
فى ضمن الإشارات التى تتعلق بها
واعلم يا أخى كحل الله تعالى بنور اليقين بصر بصيرتك ، ونبه عن سنة الغفلة قلبك وسريرتك ، وانظر بحقيقة حقيقتك ، وتيقن عند إحرامك إجابة الداعى ، وعند تجردك من المخيط لبس الكفن ، وعند التلبية نداء الحق سبحانه وتعالى ، وأى عارف تفكر فى هذه الأسرار العجيبة فهم ، وأى عاقل تأمل فى الآيات الغريبة ألهم أن هذه العبادات ملازمة رسم يدل على باطن مقصود به تزكية النفس وتجلية الروح وإصلاح القلب ؛ لأن حقيقة التعبد : هو صرف القلب وحضرة رب القلب.
واعلم أن هذه العبادات كلها تنبيهات ، فليتنبه السالك المسافر عند ترك العيال والأطفال ، ومفارقة الأهل والأولاد على قطع العلائق الشاغلة ؛ لينفرد عن العوائق المانعة بخدمة الخالق الخفية ، ويلوى باطنه عن الخلائق الفانية ؛ لأن من انقطع عن العلائق وتجرد عن العوائق شاهد رب الخلائق.
ولتنظر بأى بدن قصدت ، وبأى باطن حضرت ؛ فإنه لا ينظر إلى الصور ، ولكن ينظر إلى الصدور ؛ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أعمالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم».
وقال رويم ـ رحمه الله ـ : للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى له مولاه وهى القلب.
وروى عن موسى صلوات الله عليه وسلامه فى مناجاته ، قال : أين أنت يا رب؟ قال : أنا فى قلوب عبادى المؤمنين.
ويروى فى مناجاة داود عليهالسلام قال : أين أنت يا رب؟ قال : عند المنكسرة قلوبهم والمندرسة قبورهم ، فيلحظ إذا أمره المحرم بإكثار الزاد والماء ؛ لخوف بعد