الفصل الخامس
فى ذكر وصية النبى صلىاللهعليهوسلم وذكر وفاته
قال الفقيه أبو الليث السمرقندى فى كتابه المسمى ب «تنبيه الغافلين» مسندا إلى علىّ بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)(١) مرض النبى صلىاللهعليهوسلم ، فما لبث أن خرج إلى الناس يوم الخميس وقد شد رأسه بعصابة ، فرقى المنبر وجلس عليه مصفارّ الوجه تدمع عيناه ، ثم دعا بلالا فأمر أن ينادى الناس : أن اجتمعوا لوصية رسول الله ، فإنها آخر وصية لكم. فنادى بلال ، فاجتمع الناس كبيرهم وصغيرهم وتركوا أبواب بيوتهم مفتوحة وأسواقهم على حالها ؛ حتى خرجت العذارى من خدورهن ليسمعن وصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ حتى غص المسجد بأهله والنبى صلىاللهعليهوسلم يقول : «وسعوا لمن وراءكم». ثم قام النبى صلىاللهعليهوسلم يبكى ويسترجع ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على الأنبياء وعلى نفسه ، ثم قال : «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم العربى الحرمى المكى الذى لا نبى بعدى ، أيها الناس اعلموا أن نفسى قد نعيت إلىّ وجان فراقى من الدنيا ، واشتقت إلى لقاء ربى ، فواحسرتاه على فراق أمتى ؛ ماذا يلقون بعدى. اللهم سلم سلم.
أيها الناس اسمعوا وصيتى وعوها ، وليبلغ الشاهد منكم الغائب ؛ فإنها آخر وصية لكم ، أيها الناس قد بيّن الله فى محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم ، وما تأتون وما تتقون ، فأحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه ، وآمنوا بمتشابهه ، واعملوا بمحكمه ، واعتبروا بأمثاله».
ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : «ألا هل بلغت ، أيها الناس ، إياكم وهذه الأهواء الضالة المضلة البعيدة من الله البعيدة من الجنة القريبة من النار ، وعليكم بالجماعة ، والاستقامة عليها قريبة من الله قريبة من الجنة بعيدة من النار. ثم قال :«اللهم هل بلغت».
__________________
(١) سورة النصر : آية ١.