الفصل الخمسون فى ذكر
ثواب كلّ عمل يفعله الحاج من حين خروجه
من منزله إلى آخر نسكه وسنن رجوعه إلى بيته
إذا أراد الحاج أن يسافر سفر الحج وجزم عزمه عليه ينبغى أن يعلم أن المسير بالظاهر إلى البيت الحرام وبالباطن إلى رب البيت والمقام ، فجعله على مثال حضرة الملوك المرجو لنيل المطالب وقضاء المآرب ، ويكون قصده إلى بيته امتثالا لأمره وخضوعا لعظمة جلاله ؛ فأهم شىء واجب عليه أن ينوى نية خالصة لوجه الله تعالى وطلبا لمرضاته ؛ لأن الله تعالى لا يقبل عبادة عباده إلا ما كان خالصا مخلصا لوجه الله تعالى كما قال فى كلامه المجيد : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(١).
وقال محمد بن عبد الوهاب الثقفى : لا يقبل الله تعالى من الأعمال إلا ما كان صوابا ، ومن صوابها إلا ما كان مخلصا ، ومن مخلصها إلا ما وافقت السنة.
وينبغى أن يحفظ من شوائب الرياء والسمعة والتفرّج والنزهة والتجارة والجولان فى البلدان ، بل يكون همه مجردا لله تعالى ، ويكون قلبه متفرغا لذكره وتعظيما لشعائره ، ويسير بكليته إلى ربه ، ويقطع العلائق الشاغلة عنه فلا يلتفت إلى ما سواه ، ويتوجه بكليته إلى مولاه.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يأتى على أمتى زمان يحج أغنياؤهم للنزهة ، وأوساطهم للتجارة ، وفقراؤهم للمسألة ، وقراؤهم للرياء والسمعة» (٢).
واعلم أن من عزم وقصد أن يحج بيت الله الحرام يجب عليه أولا أن يتوب عن
__________________
(١) سورة البينة : آية ٥.
(٢) رواه الديلمى عن أنس ، كما فى كنز العمال ٥ / ١٣٣ ، الخطيب فى تاريخ بغداد ١٠ / ٢٩٦ ، ابن الجوزى فى العلل (٩٢٧) وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأكثر رواته مجاهيل.