الفصل الحادى والأربعون
وفيه أربعة أنواع :
النوع الأول من الفصل الحادى والأربعين
فى ذكر أحوال السلف الصالحين من المتعبدين
والمجاورين والمتوجهين إلى حرم الله تعالى الشريف
ومن دخل الحرم من المحبين وشاهد جمال الكعبة وحسن جلوتها ، وتفكر فى عظمة جلال كبريائه ، وتأمل فى سر كنز حكمة الأسرار المودع بها خاصة ، فتجلى على قلبه من سرادقات الغيب أشعة أنوار الهيبة والإجلال ، فهام وتحير فى سطوة عظمة جناب جلال ذى الجلال ورد. ورد وقته.
قد تحيّرت فيك خذ بيدى |
|
يا دليلا لمن تحيّر فيكا |
ويحكى أن الشبلى (١) ـ قدس الله سره ـ لما وصل إلى مكة المشرفة ودخل الحرم وشاهد من عجائب تسخير الحكمة الإلهية وكمال القدرة الأزلية فى ضمن هذه اللطيفة الحجرية فطاب وقته وطاش عقله طربا وسكرا فأنشد :
أبطحاء مكة هذا الذى |
|
أراه عيانا وهذا أنا |
ثم لم يزل يكررها حتى غشى عليه وأفاق ، فقال :
هذه دارهم وأنت محبّ |
|
فما بقاء الدموع فى الآماق |
ولما دخل أبو الفضل الجوهرى (٢) الحرم ونظر إلى الكعبة وقد داخله الطرب ،
__________________
(١) هو : أبو بكر دلف بن جحدر ، الصوفى العابد ، ترك الولاية واشتغل بالعبادة ، وسلك مسلك الزهد ، وتوفى سنة (٣٣٤ ه).
(٢) هو من أكبار مشايخ المصريين ، من بيت علم وعدالة بمصر. توفى وهو فى طريقه للحج سنة (٤٨٠ ه) حسبما جاء فى طبقات الشعرانى ، والخبر فى مثير الغرام الساكن (ص : ٢٧٨).