قال : هذه ديار المحبوب فأين المحبون ، وهذه أسرار القلوب فأين المشتاقون ، وهذه ساعة الاطلاع على الدموع فأين البكاءون؟! ثم شهق شهقة وبادر إلى البيت باكيا وهو ينادى : لبيك لبيك (١).
وروى أن أمرأة عابدة حجت ، فلما دخلت مكة جعلت تقول : أين بيت ربى؟
أين بيت ربى؟ فقيل لها : هذا بيت ربك ، فاشتدت نحوه تسعى حتى ألصقت جبينها بحائط البيت ، فما رفعت إلا ميتة (٢).
ما بين معترك الأحداق والمهج |
|
أنا القتيل بلا ذنب ولا حرج |
من مات فيه غراما عاش مرتقيا |
|
ما بين أهل الهوى فى أرفع الدّرج |
تبارك الله ما أحلا شمائله |
|
فكم أماتت وأحيت فيه من مهج |
قال سعيد بن جبير : رأيت امرأة جاءت فقامت فى الملتزم فجعلت تدعو وتبكى حتى ماتت.
هذه تحية المحب فى بيت المحبوب ، وشهادة العاشق إلى لقاء المعشوق.
وقال مالك بن دينار : رأيت شابا يمنيا وهو يقول : اللهم إن الناس قد ذبحوا ومحروا وتقربوا إليك ، فما لى شىء أتقرب به إليك أكبر من نفسى فتقبلها منى ، ثم شهق شهقة ، فدنوت منه فإذا هو ميت ، رحمه الله تعالى.
هذا فؤاد لقد ملى أسفا |
|
قطعه الشوق والنوى قطعا |
يقول فى نأيه وغربته |
|
عدل من الله كلّ ما صنعا |
وقال عبد الصمد : اجتمعت أنا وبشر الحافى فى العمرة ومعنا شاب تائب ، سريع الدمعة ، قليل الكلام ، كثير التفكر ، فقلت له : هذا بشر الحافى فتبرك به ، فقال له : يا أبا نصر ، ما جزاء من خالف محبوبه؟ فقال : أن يقتل بسيوف العتاب ، ثم يحرق بنار الهوى ، ثم يذرّ فى هوى الذل ؛ فإن شاء جمعه ، وإن شاء قمعه ،
__________________
(١) هداية السالك ١ / ١٥٩.
(٢) أخبار مكة للفاكهى ١ / ١٦٧ ، مثير الغرام (ص : ٢٧٨) ، تاريخ جرجان (ص : ٦١) ، الواضح المبين فى ذكر من استشهد من المحبين لابن مغلطاى (بتحقيقنا).