قال : فشهق الغلام لما سمع ذلك منه ووقع ، ولم يزل يئن ويرتعد ويشهق إلى أن مات ، فندمت على ذلك ، وواريناه فى مكانه فى ثوبى إحرامه ، رحمه الله.
البين فيه لمن ذاق الهوى أجل |
|
به النفوس عن الأجساد ترتحل |
يا سائلى كيف مات العاشقون فما |
|
ماتوا ولكن بأسياف الهوى قتلوا |
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : رأيت بالموقف شابا ساكنا وعليه أثر الذلة والخشوع والناس يسألون الحوائج ، فقلت : يا فتى ، أخرج يديك وسل حاجة ، فقال لى : يا شيخ ، وقعت وحشة وليس ثمّ وجه ، قلت : فإن كان كذلك فالوقت يفوت ، فقال لى : لا بد لى منه؟ قلت : نعم ، قال : فلما أراد أن يرفع يديه بالدعاء صاح صيحة وخر ميتا ، رحمه الله.
وقال بشر بن الحارث الحافى : رأيت على جبل عرفة رجلا قد ولع به الوله وهو يقول أبياتا آخرها :
أنت الحبيب وأنت الحبّ يا أملى |
|
من لى سواك ومن أرجوه لمدّخرى |
كم قد زللت فلم أذكرك فى زللى |
|
وأنت يا واجدى فى الغيب تذكرنى |
كم أكشف السّتر جهلا عند معصيتى |
|
وأنت تلطف بى جودا وتسترنى |
قال : ثم غاص فى خلال الناس فلم أره بعد ذلك ، فسألت عنه ، فقيل لى :هذا أبو عبيد السالم الخواص ، منذ سبعين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عزّ وجلّ.
وروى عن بعض الصالحين قال : كنت بمكة فرأيت فقيرا يطوف بالبيت ، فأخرج من جيبه رقعة فنظر فيها فلما كان فى اليوم الثانى والثالث كان يفعل ذلك ، فيوما من الأيام طاف ونظر فى الرقعة وتباعد قليلا وسقط ميتا ، فأخرجت الرقعة من جيبه فإذا فيها مكتوب (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا)(١).
صبرت على بعض الأذى خوف كلّه |
|
ودافعت عن نفسى لنفسى فعزّت |
وجرّعتها المكروه حتى تدرّبت |
|
ولو لم أجرّعها إذا لاشمأزت |
__________________
(١) سورة الطور : آية ٤٨.