الفصل الثالث
فى اختلاف الناس هل كان الإسراء ببدنه وروحه أم بروحه فقط
على قولين ؛ فالأكثرون من العلماء أنه أسرى ببدنه وروحه يقظة لا مناما. ولا ينكر أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى مناما قبل ذلك ورآه بعده يقظة ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)(١) ولو كان مناما لقال : «بروح عبده» ولم يقل : «بعبده». وأيضا : فإن التسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، ولو كان مناما لم يكن فيه كبير شىء ولم يكن مستعظما ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتد جماعة ممن كان قد أسلم.
وأيضا : فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ؛ وقد قال : (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ولم يقل بروحه ، وقد قال الله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(٢) قال ابن عباس : هى رؤيا عين أريها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا رؤيا منام ، رواه البخارى (٣).
وقوله : (فِتْنَةً لِلنَّاسِ) : يؤيد أنها رؤيا عين ، وإسراء لشخص إذ ليس فى الحلم فتنة ولا يكذب به أحد ؛ لأن كل أحد يرى مثل ذلك فى منامه من الكون فى ساعة واحدة فى أقطار متباينة.
وقال تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى)(٤) والبصر من آلات البدن لا الروح.
وأيضا : لو كان مناما ما كانت فيه آية ولا معجزة ولا يقال أسرى ، ولما استبعده
__________________
(١) سورة الإسراء : آية ١.
(٢) سورة الإسراء : آية ٦٠.
(٣) أخرجه : البخارى (٤٧١٦).
(٤) سورة النجم : آية ١٧.