الكفار ولا كذبوه فيه ولا ارتد فيه ضعفاء من أسلم ولا افتتنوا به ؛ إذ مثل هذه المنامات لا ينكر ، بل لم يكن ذلك منهم إلا وقد علموا أن خبره إنما كان عن جسمه وحال يقظته.
وأيضا : فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء برّاقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح ؛ لأنها لا تحتاج فى حركتها إلى مركب يركب عليه ، والله أعلم.
وقال آخرون : بل أسرى برسول الله صلىاللهعليهوسلم بروحه لا بجسده.
قال محمد بن يسار فى السيرة : حدثنى يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، أن معاوية بن أبى سفيان كان أذا سئل عن مسرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : كانت الرؤيا من الله صادقة.
وحدثنى بعض آل أبى بكر أن عائشة رضى الله عنها كانت تقول : ما فقد جسد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولكن أسرى بروحه.
وقال ابن إسحاق : فلم ينكر ذلك من قولها ؛ لقول الحسن : إن هذه الآية نزلت (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(١) ولقوله تعالى فى الخبر عن إبراهيم : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى)(٢) ثم مضى ذلك فعرفت أن الوحى يأتى للأنبياء من الله يقظة ومناما ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «تنام عيناى وقلبى يقظان» ، فالله تعالى أعلم أى ذلك كان قد جاءه وعاين فيه من الله ما عاين على أى حالاته ، كان نائما أو يقظانا ، كل ذلك حق وصدق .. انتهى كلام ابن إسحاق.
وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير فى تفسيره بالرد عليه والإنكار والتشنيع بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن ، وذكر من الأدلة على رده بعض ما تقدم.
وقال القاضى عياض : أما قول عائشة رضى الله عنها : «ما فقد جسده» فعائشة لم تحدث به عن مشاهدة ؛ لأنها لم تكن حينئذ زوجة له ولا فى سنّ من تضبط ، ولعلها لم تكن ولدت بعد على الخلاف فى الإسراء ؛ فإن الإسراء كان فى أول
__________________
(١) سورة الإسراء : آية ٦٠.
(٢) سورة الصافات : آية ١٠٢.