الفصل الثالث والخمسون
فى ذكر اختلاف العلماء فى المجاورة بمكة المشرفة
فذهب أبو حنيفة ومن تابعه وبعض أصحاب الشافعى وجماعة من المحتاطين فى دين الله من أرباب القلوب رضى الله عنهم إلى أن المقام بمكة مكروه.
وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد وجماعة من أصحاب الشافعى ومن تابعهم من العلماء رضى الله عنهم : أنه يجوز ذلك من غير كراهة بدليل النص ، قال الله تعالى : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ)(١) مطلقا يعنى : الكعبة إضافة إليه تشريفا وتفضيلا وتخصيصا ، وقوله للطائفين يعنى : الدائرين حوله.
وقوله : والعاكفين يعنى : المقيمين به المجاورين له.
قلنا : المراد من العكوف هو المقام دون المجاورة والإقامة وعلى هذا أكثر أصحاب القلوب والمحتاطون فى دين الله تعالى (٢).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة» (٣).
قلنا : أى الخروج رغبة عنها لا مطلق الخروج.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مكة والمدينة تنفيان الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد ، ألا فمن صبر على لأوائهما كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة».
وقال الحسن البصرى رضى الله عنه : ما أعلم على وجه الأرض بلدة ترفع منها الحسنات من أنواع البر كل واحدة منها بمائة ألف ما يرفع بمكة.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٢٥.
(٢) يراجع ذلك فى : إعلام الساجد للزركشى (١٢٩) ، مثير الغرام (ص : ٤٣٤) ، شفاء الغرام ١ / ١٣٥ ، إتحاف السادة المتقين ٤ / ٤٧٤ ، القرى (ص : ٦٠٠).
(٣) هذا ليس حديثا عن النبى صلىاللهعليهوسلم ، وإنما هو جزء من رسالة الحسن البصرى المشهورة فى فضل مكة والسكن فيها.