وقد سبقت الأحاديث فى شرفها وتفضيلها.
وأما دليل أبى حنيفة ومن تابعه رضى الله عنهم : قوله عليه الصلاة والسلام : «من فرغ من حجه فليعجل إلى أهله فإنه أعظم لأجره» (١).
ولأن كثرة المشاهدة توجب التبرم وتقلل الحرمة من حيث العادة ولهذا قال النبى صلىاللهعليهوسلم لأبى هريرة : «زر غبّا تزدد حبا».
ولأن تقليل الحرمة ذنب والحرمة بمكة والكعبة واجب فيؤدى إلى ترك الواجب وأنه حرام فكان مكروها لأجل هذا. وكان عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يدور على الناس بالدّرّة بعد قضاء نسك الحج ويقول : يا أهل اليمن يمنكم ، ويا أهل الشام شامكم ، ويا أهل العراق عراقكم (٢).
وقد روى أن عمر ـ رضى الله عنه ـ همّ بمنع الناس من كثرة الطواف ثم قال :خشيت أن ينسى الناس هذا البيت. ولهذا قال ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ حين اختار المقام من مكة إلى الطائف وحواليه : لأن أذنب خمسين ذنبا بركبة أحب إلىّ من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة (٣). [وركبة] : موضع بقرب الطائف كثير العشب والماء.
وقال ابن مسعود رضى الله عنه : ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمّة قبل العمل إلا مكة ، وتلا هذه الآية : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٤) ومن يرد الميل عن الحق بمجرد الإرادة والنية ، وإلحاد : الميل والباء زائدة كما فى قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ.) وقال : إن السيئات تتضاعف [فيها] كما تتضاعف الحسنات (٥).
__________________
(١) ذكره ابن جماعة فى هداية السالك ١ / ١٠٣.
(٢) أخرجه : ابن أبى شيبة ١ / ١٦٨ ، والفاكهى ٢ / ٣٠٧. وفيه : عمر بن أبى معروف. منكر الحديث. قال ابن عدى وابن أبى مليكة : لم يدرك عمر (لسان الميزان ٢ / ٣٣٢).
(٣) أخرجه : عبد الرزاق فى مصنفه ٥ / ٢٨ ، الفاكهى فى أخبار مكة ٢ / ٢٥٦. وركبة : أرض تبعد عن مكة ١٦٠ كم ، وعن الطائف ٦٥ كم وهى أرض فسيحة يحدها من الشرق جبل حضن ، ومن الغرب سلسلة جبال الحجاز العليا ، ومن الجنوب جبال عشيرة. (معجم البلدان ٣ / ٦٣ ، معجم معالم الحجاز ٤ / ٦٨).
(٤) سورة الحج : آية ٢٥.
(٥) ينظر عن ذلك فى : القرى (ص : ٦٦٠) ، هداية السالك ١ / ١٠١ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٣٤) ، شفاء الغرام ١ / ١٣٥.