الفصل الأول
فى فضائل مكة شرفها الله تعالى
والآيات التى نزلت فى فضلها وشرفها
اعلم أن البيت الحرام بل الحرم كله محل عظيم القدر ومكان جليل الخطر والفخر ؛ بل هو أفضل بقاع الأرض وما عداه المفضول ، ويدل على ذلك المعقول والمنقول.
أما المعقول : فمن وجهين : أحدهما : أنه مبتدأ الأرض وأصلها الذى تفرعت هى عن بقعته على ما روى أنها دحيت من تحته وهو أحد التأويلين لما ورد به الكتاب العزيز من تسمية مكة بأم القرى (١).
والتأويل الآخر : كونها قبله تؤمها الوجوه ، وفيها بيت الله الحرام ، كما جرت العادة أن يكون بلد الملك وبيته هو المقدم على الأماكن كلها ، وسميت أمّا ؛ لأن الأم مقدمة.
والثانى : لطيفة الله تعالى بالمذنبين من عباده ، وعطفه على طلب رضاه بدلالته عليها وإرشاده إليها.
وأما المنقول : فقد ثبت بنص القرآن أن الله تعالى جعل البيت مثابة للعالمين وأمنا للخائفين ، وأمر خليله بتطهيره للطائفين والعاكفين ، وأودع فيه من السر الربانى ما شهدت به ألسنة الوجود ، وشاهدته أسرار العارفين ، وعرّفه بإضافته إلى جلاله فقال : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)(٢) فهل وراء هذا الإطناب فى الفخار مضرب لإطناب خيمة الأفكار ، أو مطلب لاستقصاء الواصفين :
__________________
(١) وذلك فى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) [سورة الشورى : آية ٧] وقوله تعالى : (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [الأنعام : ٩٢].
(٢) سورة البقرة : آية ١٢٥.