ألا ربّ ذل ساق للنفس عزّة |
|
ويا ربّ نفس بالتذلل عزّت |
سأصبر جهدى إنّ فى الصبر عزّة |
|
وأرضا بدنياى وإن هى قلّت |
وقيل : تجرع الصبر فإن أفناك أفناك شهيدا ، وإن أحياك أحياك عزيزا.
وقال الأصمعى : رأيت أعرابيا فى البادية بيده سيف مسلول ظننت أنه سكران ، وقال لى : يا حضرى انزع ثيابك ، ولا تجعل بيتك خرابا بموتك ، فقلت له : أتدرى من أنا؟ فقال لى : ليس عند قطاع الطريق معرفة ، ولو عرفتك أنكرتك وجهلت معرفتك ، فقلت له : أما تعلم أن الله تعالى يطالبك بما تفعل؟ فقال : لا بد من الرزق كما لا بد من الموت ، إن طالبنى بما أفعل طالبته برزقى ، فقلت له : كأنك تطلب رزقك فى الأرض؟ قال : فأين أطلبه؟ فقلت له : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)(١) فرمى السيف من يده وقال : أستغفر الله ، رزقى فى السماء وأنا أطلبه فى الأرض ، فإذا برغيفين طائرين وقصعة فيها مرقة حارة ، ظهر ذلك من تصديقه بالقرآن ، قال : فالتفت إلىّ ، وقال : هداك الله كما هديتنى إلى الرزق ، فتحيرت من شأنه وانصرفت باكيا. ثم لقيته بعد ذلك بمكة فى الطواف فعرفنى ، وقال : ألست صاحبى بالبادية؟ فقلت : نعم ، فقال لى : من ذلك اليوم إلى هذا الوقت يأتينى رغيفان وقصعة فى كل ليلة ، فإذا أكلت تبقى القصعة عندى ، فإذا أصبحت وجدتها فضّة ، وعندى قصع كثيرة ، فقلت له : لم لا تفرقها على أهلك ، قال لى :من ذلك الوقت عاهدت الله تعالى أن لا أفعل شيئا إلا بأمر الله تعالى ، وما أمرنى بشىء ثم قال : ألا تزدنى منه بيتا آخر ، قلت : وما ذاك شعر وإنما هو كلام الله تعالى ، ثم قرأت : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٢) قال : فتغير لونه وارتعدت فرائصه ، وقال : من الجأه إلى الحلف ووقع ميتا ، قال :فإذا أنا بهاتف ينادى : ألا من أراد أن يصلى على ولىّ لله فليصلّ على هذا البدوى فغسلناه وصلينا عليه ودفناه ، فرأيته فى منامى بعد أسبوع على هيئة حسنة ، فقلت :بم بلغت هذه المنزلة؟ قال : باستماعى لقراءة القرآن وتصديقى له (٣).
__________________
(١) سورة الذاريات : آية ٢٢.
(٢) سورة الذاريات : آية ٢٣.
(٣) صفة الصفوة ٤ / ٣١٠ ، وكتاب التوابين للمقدسى (٢٧٣) بتوسع ، البيهقى فى الشعب (١٣٣٧) ، مثير الغرام الساكن (ص : ١٣٨).