المفاوز ؛ لأن سفر الآخرة أطول ، وعطش حشر القيامة أشد.
وما أحسن كلام أبى ذر الغفارى ـ رضى الله عنه ـ فى هذا المعنى عند الكعبة : يا أيها الناس ، أنا جندب بن الغفارى ، هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق ، فاكتنفه الناس ، فقال : أرأيتم أن أحدكم إذا أراد سفرا ؛ أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ، ويبلغه؟ قالوا : بلى. قال : فسفر طريق القيامة طريق أبعد ما ترون ، فخذوا ما يصلحكم ، قالوا : وما يصلحنا؟ قال : حجوا حجة لعظائم الأمور ، وصوموا يوما شديد الحر لطول النشور ، وصلوا ركعتين فى سواد الليل لوحشة القبور. كلمة خير يقولها ، أو كلمة شر سكت عنها لوقوف يوم عظيم. تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها. اجعل الدنيا مجلسين : مجلسا فى طلب الحلال ، ومجلسا فى طلب الآخرة. والثالث يضرك ولا ينفعك ، لا ترده ، فاجعل المال درهمين : درهم تنفقه على عيالك من حله. ودرهم تقدمه لآخرتك. والآخر : يضرك ولا ينفعك ؛ لا ترده.
ثم نادى بأعلى صوته : يا أيها الناس ، قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدا.
وليتذكر تقطع العقبات والفيافى : عقبات يوم القيامة ، وبالموقف على عرفة العرفات ، لتذكر النفس تعارف أبينا آدم ، وأمنا حواء ، بل تعارف الأرواح فى الذرّ ؛ حين أخذ الميثاق ، فيذكر طيب ذلك العيش ، ويذكر وقوفه فى دار جزائه ومسائلته مولاه ، والإقامة فيها إلى غروب شمس وجود البشريه إلى وجود الحقانية والرجوع من الكل إلى مكون الكل ، والعبور بين علمى الممثولين ، وحمل حصى الاختصاص ؛ فمن مزدلفة قاب قوسين ، ثم العزم على المبيت بالمشعر الحرام. قال الله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ)(١) ثم الإسراع فى وادى محسّر : الوداد بين القلب والروح ، والسّر والفؤاد ، والفوز بالتجاوز عن خوف الخيف.
ولما وردنا الحىّ راحت عقولنا |
|
إلى موقف الأحباب فى حرم الوصل |
وطفنا وطافت بالطواف سرائر |
|
غنينا بها عمّا نشاهد بالعقل |
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٩٨.