وجعلها عنوان كلّ كرامة لأُولئك الرجال ، واختصاصها بالعناية وإلحاقها بأسماء العشرة عند ذكرهم ، وقصر البشارة بالجنّة على ذلك الرهط فحسب ، والصفح عمّا ثبت في غيرهم من (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١)؟! فلما ذا حصر التبشير بالعشرة؟ وعدّ القول به من الاعتقاد اللازم كما ذكره أحمد ـ إمام الحنابلة ـ في كتاب له إلى مسدّد ابن مسرهد ، قال : وأن نشهد للعشرة أنّهم في الجنّة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن ، وأبو عبيدة ، فمن شهد له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالجنّة شهدنا له بالجنّة ، ولا تتأتّى أن تقول : فلان في الجنّة وفلان في النار إلاّ العشرة الذين شهد لهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالجنّة. جلاء العينين (ص ١١٨) لما ذا هذه كلّها؟ لعلّك تدري لما ذا ، ونحن لا يفوتنا عرفان ذلك.
ولنا حقّ النظر في الرواية من ناحيتي الإسناد والمتن.
أمّا الإسناد فإنّه كما ترى ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ولا يرويها غيرهما ، وطريق عبد الرحمن ينحصر بعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الزهري ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف تارة ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخرى ، وهذا إسناد باطل لا يتمّ نظراً إلى [سنة] وفاة حميد بن عبد الرحمن ، فإنّه لم يكن صحابيّا وإنّما هو تابعيّ لم يدرك عبد الرحمن بن عوف ، لأنّه توفيّ سنة (١٠٥) (٢) عن (٧٣) عاماً ، فهو وليد سنة (٣٢) عام وفاة عبد الرحمن بن عوف أو بعده بسنة ، ولذلك يرى ابن حجر رواية حميد عن عمر وعثمان منقطعة قطعاً (٣) ، وعثمان قد توفّي بعد عبد الرحمن بن عوف. فالإسناد هذا لا يصحّ.
__________________
(١) يونس : ٦٣ ، ٦٤.
(٢) كما اختاره أحمد ، والفلاّس ، والحربي ، وابن أبي عاصم ، وابن خيّاط [في الطبقات : ص ٤٢٢ رقم ٢٠٧٥] ، وابن سفيان ، وابن معين. (المؤلف)
(٣) تهذيب التهذيب : ٣ / ٤٦ [٣ / ٤٠]. (المؤلف)