فيبقى طريق الرواية قصراً على سعيد بن زيد الذي عدّ نفسه من العشرة المبشّرة ، وقد رواها في الكوفة أيّام معاوية كما مرّ النصّ على ذلك في صدر الحديث ، ولم تُسمع هي منه إلى ذلك الدور المفعم بالهنابث ولا رويت عنه قبل ذلك ، فهلاّ مسائل هذا الصحابيّ عن سرّ إرجاء روايته هذه إلى عصر معاوية ، وعدم ذكره إيّاها في تلكم السنين المتطاولة عهد الخلفاء الراشدين ، وكانوا هم وبقيّة الصحابة في أشدّ الحاجة إلى مثل هذه الرواية لتدعيم الحجّة ، وحقن الدماء ، وحفظ الحرمات في تلكم الأيّام الخالية المظلمة بالشقاق والخلاف ، فكأنّها أوحيت إلى سعيد بن زيد فحسب يوم تسنّم معاوية عرش الملك العضوض.
وفي ظنّي الأكبر أنّ سعيد بن زيد لمّا كان لا يتحمّل من مناوئي عليّ أمير ١٠ / ١٢٣ المؤمنين عليهالسلام الوقيعة فيه والتحامل عليه ، ويجابه بذلك من كان ولاّه معاوية على الكوفة ، وكان قد تقاعس عن بيعة يزيد عندما استخلفه أبوه ، وأجاب مروان في ذلك بكلمة قارصة (١) أخذته الخيفة على نفسه من بوادر معاوية فاتّخذ باختلاقه هذه الرواية ترساً يقيه عن الاتّهام بحبّ عليّ عليهالسلام ، وكان المتّهم بتلك النزعة يوم ذاك يعاقب بألوان العذاب ، ويسجن ويُنكّل به ويُقتّل تقتيلا ، فأرضى خليفة الوقت بإتحاف الجنّة لمخالفي علي عليهالسلام والمتقاعسين عن بيعته والخارجين عليه ، وجعل رؤساءهم في صفّ واحد لا يشاركهم غيرهم ، كأنّ الجنّة خلقت لهم فحسب ، ولم يذكر معهم أحداً من موالي عليّ وشيعته ، وفيهم من فيهم من سادات أهل الجنّة : كسلمان ، وأبي ذر ، وعمّار ، والمقداد ، فنال بذلك رضى الخليفة ، وكان يُعطي لكلّ باطل مزيّف قناطير مقنطرة من الذهب والفضّة.
ولولا الصارم المسلول في البين وكان هو الحاكم الفصل يوم ذاك ، لما كان يخفى على أيّ سعيد وشقي أنّ متن الرواية يأبى عن قبولها ، وأنّ عليّا قطّ لا يجتمع
__________________
(١) تاريخ ابن عساكر : ٦ / ١٢٨ [٢١ / ٨٨ رقم ٢٤٧٧ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٢٩٨]. (المؤلف)