الجرائم والمآثم ، وسفك دماء زكيّة ، ونفوس مزهقة بريئة ، حتى أنّها كانت ترى من المعقول السائغ أن تُقعد له رجلاً فيقتله ، فأقنعها بأنّه في بيت أمان ، وداخل في ذمّتها ، وأنّ ما بينه وبينها صالح ، وأرجأ الموافاة للجزاء إلى يوم التلاقي بينه وبين الناس.
ويُستشفّ من هذه أنّه لم يكن عند معاوية درء لما كانت أمّ المؤمنين تنقمه عليه ، وإلاّ لكان للرجل أن يتشبّث به في تبرير أعماله ، وتبرئة نفسه دون التافهات.
وإن تعجب فعجب اقتناع أُمّ المؤمنين من معاوية بأنّ ما بينه وبينها صالح ، وإن لم يكن صالحاً بينه وبين الله ، ولا صالحاً بينه وبينها لأنّه قاتل أخيها محمد بن أبي بكر ، وكان على عنق معاوية ذلك الدم الطاهر ، وإن غضّت الطرف عنه أُخته لأنّ ما بينه وبينها صالح ، كما أنّها غضّت الطرف عن دم حُجر وأصحابه ، وهو من موبقات ابن آكلة الأكباد ، وطالما نقمت عليه ذلك وكانت توبّخه ، لكن برّره ذلك الصالح بينهما بلا عقل ولا قود ، وأمّا دم عثمان فما غضّت عنه أمّ المؤمنين مهما لم يكن ما بينها وبين عليّ عليهالسلام صالحاً ، وهل يحتجّ معاوية يوم القيامة في موقف العدل الإلهيّ متى خاصمه محمد وحُجر وأصحابه وآلاف من الصلحاء الأبرار ممّن سفك دماءهم بأنّ ما بينه وبين عائشة صالح؟ وهل يفيده هذا الحجاج؟ أنا لا أدري.
أما كان لعائشة أن تفحم الرجل بأنّ الإيمان لو كان قيد الفتك ـ وهو قيد الفتك ـ فلما ذا لم يقيّده؟ وقد فتك بآلاف من وجوه المؤمنين ، وأعيان الأُمّة المسلمة ، ولم يأمن من فتكه أهل حرم أمن الله ـ مكة ـ ، ولا مجاورو بيت أمانه ـ المدينة ـ ولعلّ أُمّ المؤمنين كانت تنظر إلى إيمان الرجل من وراء ستر رقيق ، ولم تجده إيماناً مستقرّا ـ إن لم نقل إنّها وجدته مستودعا ـ يقيّد صاحبه ، ويسلم المسلمون بذلك من يده ولسانه ، وقد صحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ،