للمفاهيم اللغوية ، حتىٰ أن لفظ ( العقل ) المعبر عن القوة المفكرة للانسان اصله من ( عقال البعير ) وهو الحبل الذي يشدّ به ليمنعه عن الحركة وهو امر محسوس ، وهذا يشير إلىٰ مدى اصالة المفاهيم الحسية في تكوين اللغة ، وعليه فتفسير اللفظ بمعنىٰ حسي أو أعم من الحسي وغيره ـ بحيث يكون اصيلاً في الحسّ ثم يتطور إلىٰ معنىٰ أعم ـ هو الاقرب إلىٰ طبيعة اللغة وما يعرف من مبادئ تكوينها ، ففي المقام يكون تفسير مادة ( ض ر ر ) بالضيق أو النقص أولى واقرب من تفسيرها بمفهوم تجريدي كسوء الحال.
والحاصل إن تفسير الضرر بسوء الحال بعيد عن المعنىٰ اللغوي والراغب الاصفهاني الذي فسره به يغلب عليه النزعة الفلسفية في تفسير المفردات اللغوية ، فهو يفسر اللغة بالمنظار الفلسفي وانتزاعه لمعنى اللفظ متأثر في حالات كثيرة ـ بهذه النظرة ، كما انّ بعضاً آخر من اللغويين ، كالفيومي في المصباح المنير متأثر بالمصطلحات الفقهية في ذكر معاني الالفاظ ، وقد اوضحنا اختلاف حال اللغويين وتأثرهم بالعوامل الدخيلة في تفسير معاني الالفاظ في البحث عن حجية قول اللغوي في الأصول فلاحظ.
الثاني : أن يجعل المعنىٰ الاصلي ( الضيق ) سواءاً كان حسياً مكانياً أو معنوياً حالياً ، بحيث يكون استعمال الضرر في موارد النقص وسوء الحال إنما هو بلحاظ تسبيبها للضيق.
ويرد عليه : انّ الملاحظ كثرة استعمال الضرر في موارد النقص وان لم يستوجب ضيقاً علىٰ الشخص ، مضافاً إلىٰ أن الضيق قد جعل في الآية الكريمة : ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (١) غاية للاضرار فلا ينسجم مع
__________________
(١) سورة الطلاق ٦٥ / ٦.