الأمّة ، وعليه المعوِّل في شعب الصدع ، ولمِّ الشعث ، وسدِّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش (١) لفتح بلاد الشرك؟ وكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته ; إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولمَّا رأينا النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم متوجِّهاً إلى الانجحار ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأبي بكر للغار للعلّة التي شرحناها ، وإنّما أبات علياً عليهالسلام على فراشه لمَّا لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به (٢) لاستثقاله ، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقب كل واحد منها بالنقض والردِّ عليَّ ، ثمَّ قال : يا سعد! ودونكها أخرى بمثلها تخطم (٣) أنوف الروافض ، ألستم تزعمون أن الصدّيق المبرَّأ من دنس الشكوك ، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرَّان النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة؟ أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟
قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفاً من الإلزام ، وحذراً من أنّي إن أقررت له بطوعهما للإسلام احتجَّ بأن بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلاَّ عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه ، نحو قول الله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
__________________
١ ـ تسريب الجيوش : بعثها قطعة قطعة.
٢ ـ لم أكترث له أي ما أبالي ، وما حفله وما حفل به أي ما بالى به ولا اهتمَّ له.
٣ ـ خطمه : أي ضرب أنفه.