الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمَّة إلى الغار إلاَّ علماً منه أن الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلَّد أمور التأويل ، والملقى إليه أزمَّة الأمّة ، وعليه المعوَّل في لمِّ الشعث ، وسدِّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته ; إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وإنما أبات عليّاً عليهالسلام على فراشه لمَّا لم يكن يكترث له ، ولم يحفل به لا ستثقاله إياه ، وعلمه أنه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
فهلا نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الخلافة بعدي ثلاثون سنة (١) ، فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم؟
فكان لا يجد بدّاً من قوله لك : بلى.
قلت : فكيف تقول حينئذ : أليس كما علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ، ومن بعد عمر لعثمان ، ومن بعد عثمان لعلي عليهالسلام؟
فكان أيضاً لا يجد بدّاً من قوله لك : نعم.
ثمَّ كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يخرجهم جميعاً ( على الترتيب ) إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخفَّ
__________________
١ ـ صحيح ابن حبان : ١٥ / ٣٩٢ ، الثقات ، ابن حبان : ٢ / ٣٠٤ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١ / ٨٩ ح ١٣٦ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٨ / ٦١.