والالتزام بتقليد إمام أو مذهب معيَّن لم يحدث إلاَّ في القرن الثالث من الهجرة ، وبعد فناء القرون التي أثنى عليهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن المؤسف أن الحكَّام في ذلكم العصر والسياسة لعبت دورها في تقييد الشعب المحكوم عليه بتقيُّد مذهب معيَّن ، تمشّياً على مذهب : الناس على دين ملوكهم.
على أنّه قد تواترت الروايات عن الإمام مالك أنه حين قال له الرشيد : إنه يريد أن يحمل الناس على مذهبه ، نهاه عن ذلك ، وكذلك الإمام الشافعي القائل : إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي ، وقال أبو حنيفة : لا ينبغي لمن لا يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ، وقال أحمد : لا تقلِّدني ولا تقلِّدن مالكاً ولا غيره.
لقد شوِّهت الحقائق ، واتهم كل فريق الآخر بشتَّى التهم ، ورماه بما ليس فيه ، وكانت النتيجة الحتميَّة هي القطيعة بين مئات الملايين من المسلمين مع الأسف الشديد.
إن هناك ـ ولا ريب ـ خلافات في المذاهب ، ولكن لم تمسَّ ـ والحمد لله ـ أركان الإسلام ، على أنها بفضل انتشار الشيعة ، وتعارف بعضهم بعضاً ، وأخذ الحقائق الفقهيّة والعلميّة من مصادرها ، قد وهنت خيوطها وضعفت أسبابها ، وكادت تتلاشى في المجتمعين الشيعيِّ والسنّيِّ ، وعرف كل منهم أن ما بين تلكم المذاهب من خلافات لم تمسَّ الجوهر من كل مذهب ، ولا تستوجب القطيعة والتكفير برغم تعصُّب الكثيرين من أهل السنّة الذين يجهلون مذهب الإماميّة ، ويروون الموبقات ـ مع الأسف ـ عنهم.
إنّها الآراء الجامحة ، والأقلام الطائشة ، والحكومات الحاكمة ، والجهل المتفشّي ، والتعصُّب الأعمى ، كل ذلك مجتمعة أو بعضها قد فعل فعله في الماضي ، وما زال عالقاً بالأذهان ، وضخّمه وبالغ فيه ، لا عن قصد ولكن عن