قال : لقد ظلَّ الاجتهاد مفتوحاً منذ الفتح ، وما زال عند الإماميّة والزيديّة ورثة أهل البيت عليهمالسلام إلى الآن ، ولم يسدَّ بابه إلاَّ في عصر المنتصر العبَّاسي ، وبأمر من عنده ، ولأمر يجيش في نفسه ، ويخشى من تفاعله وأثره على دولته وحكمه ، خصوصاً عندما اشتدَّ الصراع بين رجالات المذاهب الفقهيّة في ذلك العصر ، وبين فقهاء الرأي وفقهاء الأثر بالأخصِّ.
ومن الأسباب التي حالت دون استمرار الاجتهاد عند أهل السنّة انقراض العلم وجمود الفكر ، وخمول الذهن ، وشلل الرأي ، وقد يكون خوف السلطة الحاكمة من استمرار الاجتهاد ، وتصدّي المجتهد لأوضاعهم ، والفتوى ضدَّهم ، عاملا من عوامل غلق باب الاجتهاد وتفشّي الجمود الفقهيِّ.
ثمَّ قلت : هل أمر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع أحد المذاهب الأربعة؟ وما رأيكم فيها؟
قال : كيف يأمر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع مذهب معين في زمن لم تكن فيه تلكم المذاهب؟ لقد كان الصحابة يرجعون في النوازل إلى الكتاب والسنّة ، وإلى ما يتمخَّض لديهم من النظر عند فقد الدليل ، وكذلك تابعوهم ، فإن لم يجدوا نظروا إلى ما أجمع عليه الصحابة ، فإن لم يجدوا اجتهدوا ، واختار البعض قول صحابيٍّ أو تابعيٍّ أو إمام حين يطمئنُّ إلى الدليل ويأنس به ، ولا يتعيَّن على المسلم أن يتقيَّد بتقليد مذهب معيَّن ، ولم ينقل عن السلف الحجز في ذلك ، وتقليد أئمّة المذاهب الأربعة ، وعدم التقيُّد بتقليد مذهب أو قول معيَّن أمر جائز ، والتلفيق بين أقوال المذاهب لا محذور فيه ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (١).
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٥.