فشاهدت الدموع كالدرر تتساقط بسرعة ولهفة مذهلة .. لو قدِّر لها أن تعبِّر لفظاً لقالت : رحمك الله يا أبا الحسن ، يا أميرالمؤمنين ، يا علي بن أبي طالب ، فأنت حقّاً المظلوم الذي جهلناه ، وما عرفنا قدره ومظلوميَّته ..
وخنقتني العبرة ، فأهملت دموعي بلا مشاحة ، وبعد هنيئة خيَّم علينا صمت رهيب ، وطلبت أقداحاً من الشاي ، فأحضرت بين أيدينا ...
إلى أن قال بعدما ذكر كلاماً جرى بينهما لا يتعلَّق بالمناظرة : وحان وقت الفراق بعد أن طاب لنا المقام ، وسبحان الله الذي هو لا غيره مفرِّق الأحباب ، وتعانقنا طويلا ، وعزَّ علينا الانفصال ، ولكن الدهر ذو أحوال ، وافترقنا بعدما تعاهدنا على أن نجتمع في القريب العاجل.
وبعد أيام رجعت إلى إيران ، ودوَّنت ما دار بيننا من مقال ، وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (١).
__________________
إلى عماله أن يلعنوه على المنابر ، ففعلوا ، فكتبت أم سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى معاوية : إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنكم تلعنون عليَّ بن أبي طالب ومن أحبَّه ، وأنا أشهد أن الله أحبَّه ورسوله ، فلم يلتفت إلى كلامها.
وقال الجاحظ في كتاب الردّ على الإماميّة : إن معاوية كان يقول في آخر خطبته : اللهم إن أبا تراب .. إلخ ، وكتب ذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز.
وإن قوماً من بني أميَّة قالوا لمعاوية : يا أميرالمؤمنين! إنّك قد بلغت ما أمَّلت ، فلو كففت عن هذا الرجل ، فقال : لا والله حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر له ذاكر فضلا. وذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ٤ / ٥٧ و ١٣ / ٢٢٢.
وقال عليه الرحمة : قال الزمخشري في ربيع الأبرار على ما يعلق بالخاطر ، والحافظ السيوطي : إنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب عليهالسلام بما سنَّه لهم معاوية من ذلك.
١ ـ وجدنا هذه المناظرة مطبوعة في كتيِّب صغير باسم : مناظرة لطيفة ، في اثنين وثلاثين صفحة ، نشر مؤسَّسة : في طريق الحق ، مطبعة سلمان الفارسي سنة ١٤١٨ هـ.