يستغيث به من دون الله!! فبالله عليك ، لم يشدُّ الناس رحالهم إلى القبور؟ إن قلت : من أجل الدعاء عندها دون أن يكون للميِّت تأثير ، قلنا لك : فلا فائدة من شدِّ الرحال ، والإجابة حاصلة في مكانك الذي أنت فيه ، دون أن تشدَّ الرحل ، وإن قلت : إن للميِّت تأثيراً ، أو من أجل حصول البركة ، قلنا : كيف يؤثِّر وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً؟ ومن هنا جاء النهي عن شدِّ الرحال للقبور ، منعاً لجناب التوحيد من شوائب الشرك.
ولو تنزَّلنا معك ، ووافقناك في قولك : أنا لا أستغيث بها ، قلنا لك : لكن عوام الناس ممَّن لا فقه عنده سيظنُّ أن للميِّت تأثيراً ، وإلاّ لما شدَّت إليه الرحال ، فيلجأ في دعائه إلى الميِّت ، وهذا ما يحصل عند غالب القبوريّين ، فلمَّا كانت هنالك مفسدة مترتِّبة على ذلك وقع النهي.
خامساً : أمَّا حديث الطبراني فيحتاج إلى مراجعة ، فلم يستعفني الوقت للوقوف عليه وعلى صحّته آمل أن تتأمَّل جوابي جيّداً ليتضح لك الحقّ بإذن الله.
العاملي : أرجو أن تصحِّح ما هو المركوز في ذهنك من أن الزيارة تلازم التوسُّل والاستغاثة ، وأن شدَّ الرحال يكون للاستغاثة ، فلا تلازم بينها أبداً ، وإذا أكملنا البحث في التوسُّل آتي لك بنصوص الزيارة بلا توسُّل ، وهذا اليوم قرأت لإمامك ابن تيمية مجدَّداً كل مقولاته حول التوسُّل ، وعن حديث عثمان بن حنيف عن الضرير ، وعن حديث عثمان بن حنيف الآخر الذي صحَّحه الطبراني .. فقد تعرَّض لذلك في كتبه وكتيِّباته التالية : العبادات عند القبور ، وزيارة القبور ، والتوسُّل والوسيلة ، واقتضاء الصراط المستقيم ، ورسالة من سجنه ، وخلاصة رأيه أنه يفسِّر حديث الأعمى بأنَّه توسُّل بدعاء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لا بذاته ، ويحصره في حياته لا بعد مماته.