قال بعض الظاهريَّة بوجوبه ، واختلفوا في النساء ، وقد امتاز القبر الشريف بالأدلّة الخاصة به كما سبق.
قال السبكي : ولهذا أقول : لا فرق بين الرجال والنساء وأمّا القياس فعلى ما ثبت من زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم لأهل البقيع وشهداء أحد ، وإذا استحب زيارة قبر غيره فقبره صلىاللهعليهوآلهوسلم أولى ; لما له من الحقّ ووجوب التعظيم ، وليست زيارته إلاَّ لتعظيمه والتبرُّك به ، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه عند قبره بحضرة الملائكة الحافّين به ، وذلك من الدعاء المشروع له .. إلخ.
وقال : الباب الثالث في الردّ على من زعم أن شدَّ الرحل لزيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم معصية ، قد تقدَّم أنه انعقد الإجماع على تأكُّد زيارته.
إلى أن قال : قال العلامة زين الدين المراغي : وينبغي لكل مسلم اعتقاد كون زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم قربة ; للأحاديث الواردة في ذلك ، ولقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ) الآية ، لأن تعظيمه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينقطع بموته ، ولا يقال إن استغفار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم إنما هو في حال حياته ، وليست الزيارة كذلك ; لما قد أجاب به بعض أئمّة المحقِّقين من أن الآية دلَّت على تعليق وجدان الله توّاباً رحيماً بثلاثة أمور : المجيء ، واستغفارهم ، واستغفار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم ، وقد حصل استغفار الرسول لجميع المؤمنين ; لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد استغفر للجميع ، قال الله تعالى : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) (١) فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم تكاملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى ورحمته.
ومشروعيَّة السفر لزيارة قبر النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد ألَّف فيها الشيخ تقي الدين
__________________
١ ـ سورة محمّد ، الآية : ١٩.