وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار ، يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة الانتصار له ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، لو كان ابن عمِّك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به ، فقال علي : أكنت أترك رسول الله ميّتاً في بيته لا أجهِّزه پ (١) ، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟ وقالت فاطمة : ما صنع أبو حسن إلاَّ ما كان ينبغي له ، وصنعوا هم ما الله حسبهم عليه (٢).
والأمر واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان ، فحاش أميرالمؤمنين علياً عليهالسلام أن يترك النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جنازة ، ويخرج في طلب الخلافة ، فهو ليس بحاجة لها ولا للناس ، بل الناس في حاجة إليه ، فجلس إلى جانب أخيه وابن عمِّه باكي العين حزين القلب ، وقد هدَّ ركنه هذا المصاب الجلل ..
وقد جاء هذا المعنى أيضاً في احتجاجات فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فقد قالت للقوم : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردُّوا لنا حقّاً (٣).
ثمَّ إن عليّاً عليهالسلام هو خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما عقد له من الولاية والخلافة والطاعة يوم غدير خمٍّ وغيره ، وهو إمام بايعه الناس أو لم يبايعه ، وليس على الإمام أن يذهب إلى الناس ليبايعوه ، بل على الناس أن يأتوه للبيعة طائعين ، ولا يبايعوا غيره ، فهو عليهالسلام كالكعبة تؤتى ولا تأتي (٤) وهذا ـ طبعاً ـ لا يعني أن يسكت
__________________
١ ـ في رواية ابن قتيبة : أفكنت أدع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيته لم أدفنه؟
٢ ـ السقيفة وفدك ، الجوهري : ٦٣ ـ ٦٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦ / ١٣ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١ / ٢٩ ـ ٣٠.
٣ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : ١ / ٣٠.
٤ ـ روي عن أبي الحسن موسى ، عن أبيه عليهماالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعلي عليهالسلام : إنما مثلك في الأمة مثل