الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم شغل عن ذلك ، ولو كانت بيعته عقد الإمامة لما شغله عنها شاغل ، ولما كانت قاطعة له عن مراده في القيام برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أو لا ترى أنه لما ألحَّ عليه العباس في هذا الباب قال : يا عمّ! إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أوصى إليَّ ، وأوصاني أن لا أجرِّد سيفاً بعده حتى يأتيني الناس طوعاً ، وأمرني بجمع القرآن والصمت حتى يجعل الله عزَّ وجلَّ لي مخرجاً ، فدلَّ ذلك أيضاً على أن البيعة إنّما دعا إليها للنصرة والحرب ، وأنّه لا تعلُّق لثبوت الإمامة بها ، وأن الاختيار ليس منها في قبيل ولا دبير على ما وصفناه.
ووجه آخر وهو : أنَّ القوم لمَّا أنكروا النصَّ ، وأظهروا أن الإمامة تثبت لهم من طريق الاختيار ، أراد العباس أن يكيدهم من حيث ذهبوا إليه ، ويبطل أمرهم بنفس ما جعلوه طريقاً لهم إلى الظلم ، وجحد النصِّ ، فقال لأميرالمؤمنين عليهالسلام : ابسط يدك أبايعك ، فإن سلَّموا الحقَّ لأهله لم تضرَّك البيعة ، وإن ادّعوا الشورى والاختيار ، وأنكروا حقَّك كان لك من البيعة والاختيار والعقد مثل ما لهم ، فلم يمكنهم الاستبداد بالأمر دونك ، فأبى أميرالمؤمنين عليهالسلام ذلك ، وكره أن يتوصَّل إلى حقِّه بباطل لا يوصل إليه ، وبرهان أمره يقهر القلوب بظهور النصِّ عليه ، ولأنّه كره أن يبسط يده للبيعة فيلزمه بعد ذلك تجريد السيف على دافعيه الأمر ، فلا يستقيم له ـ مع الاختيار وعقد القوم له ـ أن يلزم التقيّة ، وقد تقدَّمت الوصيَّة له من النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالكفِّ عن الحرب مخافة بطلان الدين ودرس الإسلام.
وقد بيَّن ذلك في مقاله عليهالسلام ، حيث يقول : أما والله ، لو لا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم ، فعدل عن قبول البيعة لما ذكرناه.
فإن قال بعضهم في هذا الجواب : قد وصل إلى حقِّه كما زعمتم بعد عثمان بالاختيار ، ودخل في الشورى ، فكيف استجاز التوصُّل إلى الحقِّ بالباطل على