ما فهمناه عنكم من الجواب؟
قيل له : يقول القوم : إنّما ساغ له ذلك في الشورى وبعد عثمان لخفاء النصِّ عليه في تلك الأحوال ، واندراس أمره بمرور الزمان على دفعه عن حقِّه ، فلم يجد إذ ذاك من ظهور فرض طاعته ما كان عند وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاضطرَّ إلى التوصُّل إلى حقِّه من حيث جعلوه طريقاً إلى التأمير على الناس ، على أن القوم جمعوا بين علّتين : إحداهما ما ذكرناه ، والأخرى ما أردفناه المذكور من وجوب الجهاد عليه بعد قبول البيعة ، ولم يكن في الأول يجوز له ذلك ; للوصيَّة المتقدِّمة من النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الكفِّ عن السيف ، ولما رآه في ذلك من الاستصلاح ، وكانت الحال بعد عمر وبعد عثمان على خلاف ما ذكرناه ، وهذا يبطل ما تعلَّقتم به.
ووجه آخر ـ وهو المعتمد عندي في هذا الجواب عن هذا السؤال ، والمعوَّل عليه دون ما سواه ـ وهو : أن أميرالمؤمنين عليهالسلام لم يتوصَّل إلى حقِّه في حال من الأحوال بما يوصل إليه من اختيار الناس له على ما ظنَّه الخصوم.
وذلك أنّه عليهالسلام احتجَّ في يوم الشورى بنصوص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الموجبة له فرض الطاعة ، كقوله : أفيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، غيري؟ أفيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي ، غيري؟
وأشباه هذا من الكلام الموجب لإمامة صاحبه ، بدليله المغني له عن اختيار العباد ، ولمَّا قتل عثمان لم يدع أحداً إلى اختياره ، لكنَّه دعاهم إلى بيعته على النصرة له ، والإقرار بالطاعة ، وليس في هذا من معنى الاختيار الذي يذهب إليه المخالفون شيء على كل حال ، والجواب الأول لي خاصة ، والثاني لأصحابنا ، وقد نصرته بموجز من الكلام ... (١).
__________________
١ ـ الفصول المختارة ، المفيد : ٢٤٩ ـ ٢٥٢.