البرجاس (١) حذاءه ، وأشياخ قومه يرمون.
فلمَّا دخل أبي وأنا خلفه ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه ، وجلسنا قليلا ، فقال لأبي : يا أبا جعفر! لو رميت مع أشياخ قومك الغرض ، وإنّما أراد أن يهتك بأبي ، ظنّاً منه أنه يقصر ويخطئ ولا يصيب إذا رمى ، فيشتفي منه بذلك ، فقال له : إنّي قد كبرت عن الرمي ، فإن رأيت أن تعفيني.
فقال : وحقِّ من أعزنا بدينه ونبيِّه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم لا أعفيك ، ثمَّ أومأ إلى شيخ من بني أميَّة أن أعطه قوسك.
فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ، ثمَّ تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس ، ثمَّ انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثمَّ رمى فيه الثانية فشقَّ فوق سهمه إلى نصله ، ثمَّ تابع الرمي حتى شقَّ تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه ، فلم يتمالك أن قال : أجدت يا أبا جعفر ، وأنت أرمى العرب والعجم ، كلاَّ ، زعمت أنك قد كبرت عن الرمي ، ثمَّ أدركته ندامة على ما قال.
وكان هشام لا يكنّي أحداً قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهمَّ به ، وأطرق إطراقة يرتأي فيه رأياً ، وأبي واقف بحذائه مواجهاً له ، وأنا وراء أبي ، فلمَّا طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهمَّ به ، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان ، يتبيَّن للناظر الغضب في وجهه ، فلمَّا نظر هشام ذلك من أبي قال له : يا محمّد! اصعد ، فصعد أبي إلى سريره وأنا أتبعه.
فلمَّا دنا من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثمَّ اعتنقني وأقعدني
__________________
١ ـ البرجاس : غرض في الهواء يرمى به.