عن يمين أبي ، ثمَّ أقبل على أبي بوجهه فقال له : يا محمّد! لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، ولله درُّك ، من علَّمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلَّمته؟
فقال له أبي : قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه ، فتعاطيته أيام حداثتي ، ثمَّ تركته ، فلمَّا أراد أميرالمؤمنين منّي ذلك عدت إليه.
فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت ، وما ظننت أن في الأرض أحداً يرمي مثل هذا الرمي ، أين رمي جعفر من رميك؟
فقال : إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيِّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (١) ، والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا.
قال : فلمَّا سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولّت ، واحمرَّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثمَّ أطرق هنيئة ، ثمَّ رفع رأسه فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟
فقال أبي : نحن كذلك ، ولكنَّ الله ـ جلَّ ثناؤه ـ اختصّنا من مكنون سرِّه وخالص علمه ، بما لم يختص أحداً به غيرنا.
فقال : أليس الله ـ جلَّ ثناؤه ـ بعث محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّة ، أبيضها وأسودها وأحمرها ، من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافّة ، وذلك قول الله تبارك وتعالى : ( وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (٢) إلى آخر الآية ، فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم نبيٌّ
__________________
١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٣.
٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨٠.